الخميس، 21 يونيو 2012

الفوضى الخلاقة

لا يملك من يتابع المشهد المصرى الآن ونحن نقترب من المرحلة الأخيرة للمرحلة الإنتقالية – لا يملك إلا الشعور بالحيرة والإرتباك. وقد إنتشر خلال السنوات الأخيرة تعبير “الفوضى الخلاقة” حين إستخدمته كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فى عهد بوش بصدد القلق السياسى الذى يسود منطقة الشرق الأوسط. والحقيقة أن أصل هذا التعبير يرجع إلى الإقتصادى النمساوى/ الأمريكى شومبيتر حين أشار إلى أن التقدم الإقتصادى ينطوى على نوع من “الهدم البناء” Creative Destruction - والذى إصطلح عليه “بالفوضى الخلاقة” . وكان رأى شومبيتر أن التقدم إذ يتحقق ـ عادة ـ بإستخدام أساليب إنتاجية حديثة لتحل محل أدوات الإنتاج التقليدية، فإنه يؤدى بذلك إلى الإستغناء عن العديد من الحرفيين وأصحاب المهن القديمة لصالح العمال الذين يعملون على الآلات والأجهزة الحديثة. فالتقدم يؤدى إلى هدم القديم، ولكنه “هدم بناء”، لأن الأدوات القديمة ليست فى كفاءة اللآلات الحديثة. وهكذا فهناك دائماً صراع بين “القديم” و “الجديد”.
ونظراً لأن الثورة ـ أى ثورة ـ هى تعبير عن هجوم كاسح “للجديد” فى مواجهة “القديم”، لذلك تعرف الثورات دائماً مثل هذا الصراع بين الجديد والقديم، أو بين ما يعرف بإسم “الثورة” و “الثورة المضادة” . وتزداد الأمور صعوبة ليس فقط نتيجة للمواجهة بين الجديد والقديم، وإنما لأنه ـ فى كثير من الأحوال ـ نجد أن “الجديد” لا يعرف ماذا يريد؟ بقدر ما يعرف ماذا لا يريد. هناك بعض الإتفاق على التوجهات العامة ـ التى قل أن يختلف الناس عليها ـ مثل العدالة والحرية، ولكن الخلاف يظهر دائماً فى التفاصيل. وكثيراً ما يقال أن الشيطان فى التفاصيل. فإذا كانت الحرية والعدالة والإزدهار هى المطالب العامة، فإن السبل المؤدية لها تختلف بين فريق وآخر.
وتواجه الثورة المصرية ـ مثل غيرها من الثورات ـ مثل هذا التناقض بين “القديم” و” الجديد”، ولكن الأكثر خطورة هو إختلاف المفاهيم بين أبناء الثورة أنفسهم حول السبل لتحقيق هذه الأهداف الكبرى. ويكفى أن ننظر إلى تطور الأحداث خلال إنتخابات الرئاسة، لكى نتيقن بأننا أزاء أوضاع بالغة الإرتباك والغموض. والسؤال المطروح هل ما نراه هو مجرد إرتباك وتخبط وتبديد للوقت والموارد، أم أنه فى الحقيقة أقرب إلى “الهدم البناء”، وأنه بذلك يمهد الطريق لإصلاحات قادمة؟

عن موقع الدكتور حازم الببلاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق