الثلاثاء، 26 مارس 2013

المسؤولية بنتيجة والمسؤولية بعناية

يميز رجال القانون بين نوعين من المسؤولية, المسؤولية بنتيجة والمسؤولية بعناية.
ولنبدأ بتعريف المسئولية “بنتيجة”؟ عندما تشترى سلعة من التاجر سواء كانت جهازاً أم قماشاً أم غير ذلك، فأنت تتوقع أن يكون الجهاز صالحاً للإستعمال وأن القماش سليم وغير ممزق، ولا يستطيع البائع أن يتحلل من إلتزامه بالقسم باليمين المغلظة بأنه يشترى بضاعته من أفضل الموردين. فالبائع يلتزم أمام المشترى بإعطائه بضاعة صالحة ومفيدة، ولا يمكن أن يعذر بأنه وقع علية غش من المورد أو خطأ من العاملين. هنا إلتزام البائع هو “بنتيجة”، وهى وضع السلعة السليمة تحت تصرف المشترى، وإلا فإنه يكون متخلفاً عن تنفيذ إلتزامه. كذلك الأمر، إذا كلف مكتب هندسى ببناء مطار أو إقامة كوبرى، فيجب أن يكون المطار أو الكوبرى صالحاً للعمل خلال الفترة المتفق عليها، فإذا أصاب أحدهما هدم أو إختلال، فلا يستطيع المكتب الهندسى التعلل بأنه إستعان بأفضل المهندسين أو أقوى شركات المقاولات. هذه كلها إلتزامات “بنتيجة”. فما لم تتحقق النتيجة، فإن المسئولية تقع على الملتزم، وليس لديه أية عذر وعليه تحملها.
أما المسئولية “بعناية”؟ عندما تذهب إلى الطبيب للعلاج أو إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، فهناك مسئولية على الطبيب كما على المستشفى، ولكنها ليست مسئولية “بنتيجة” وإنما هى فقط مسئولية “بعناية”، بمعنى أن الطبيب مسئول عن تقديم العلاج السليم بعد إجراء الفحوصات اللازمة وربما طلب إجراء إشاعات أو تحليلات أو حتى الإستعانة بأخصائين آخرين ثم كتابة العلاج، ومتابعته. ولكن الطبيب غير مسئول إذا لم تنجح هذه الإجراءات فى حماية صحة المريض. فمسئولية الطبيب هى بذل “العناية اللازمة” دون تقصير، ولكن ليس عليه ضمان نتيجة الشفاء. وكذا الحال، بالنسبة للمستشفى، فإن عليه أن يوفر كافة الإجراءات اللازمة لسلامة إجراء العمليات الجراحية وإتخاذ التدابير المطلوبة فنياً، فإذا أصاب المريض رغم ذلك بعض المضاعفات غير المقصودة، وبعد أخذ كافة الإحتياطات، فلا تثريب على المستشفى. فالمستشفى مسئول عن توفير “العناية الواجبة” برعاية الإحتياطات الفنية المطلوبة، ولكنه ليس مسئولاً عن تحقيق نتيجة محددة، وهى نجاح العملية. وكذا المدرس فى المدرسة، فهو مسئول عن تقديم الدروس بأكبر قدر من الأمانة والإخلاص وإعطاء الرعاية الكاملة لكل تلميذ أو طالب. ولكنه ليس مسئولاً عن نجاح جميع التلاميذ أو تفوقهم. وبطبيعة الأحوال، فإن لتقديم هذه الخدمات بالرعاية الواجبة ضوابط وأصول. ومع ذلك يظل هناك فارق كبير فى المسئولية بين المسئولية “بنتيجة” والمسئولية “بعناية”. فى الحالة الأولى، إذا لم تتحقق “النتيجة” تقع المسئولية، وفى الحالة الثانية، لا تقع المسئولية إلا فى حالة الإخلال “بالعناية الواجبة”.
ما نريد الوصول إليه من هذه المقدمة: هل مسؤولية الحكومة مسؤولية بنتيجة أم مسؤولية بعناية؟
إن مسؤولية الحكومة هى مسئولية “بنتيجة”، فالحكومات لا تأتى لمجرد بذل العناية المطلوبة، وإنما على الحكومات إلتزام بتحقيق الأمن والإستقرار بالدرجة الأولى، ثم توفير مقومات التقدم الإجتماعى والسياسى. فإذا فشلت الحكومة فى تحقيق الأمن والإستقرار، فإنها قد تكون أخلت بمسئوليتها الأولى ولا يقبل منها أى أعذار. فالحكومات لا تقام لكى “تحاول” أو تبذل “العناية” لتحقيق الأمن والإستقرار، وإنما سبب وجودها هو ضمان هذا الأمن وذلك الإستقرار، ودون ذلك تتحمل المسئولية ولا يقبل منها أى أعذار.
وإذا كانت مسئولية الحكومة عن الأمن والإستقرار هى مسئولية بنتيجة، فلا يجوز لها التحلل من هذه المسئولية بأى عذر من الأعذار، وهى بذلك تكاد تفقد مشروعيتها.
 
منقول عن مقال للدكتور حازم الببلاوي,
الاهرام 25 مارس 2013
بين مسئولية الحكومة ومسئولية المعارضة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق