السبت، 21 يوليو 2012

المراكز التي تعنى بالملسمين الجدد في دولة الامارات

  1. دار زايد للثقافة الاسلامية - العين  - http://www.zhic.ae/
  2. دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري - دبي -
  3. مركز كلمة - دبي - ديرة - المحيصنة - 2644115 - 2644611
  4. مركز المعلومات الإسلامي - دبي -  - ديرة الضيافة - خلف الدفاع المدني - 3986950 - 3986956 
  5. New Muslim Center Late Ali Bin Ghanem Bin Hamoodah Masjid - Abu Dhabi - 00971-2-631-22-11 - newmuslimcenter@yahoo.com
    مركز الشيخ محمد بن راشد للتواصل الثقافي الحضاري ( النسائي)34555633455138جميرا ــ بجانب مستشفى الإيراني
    مركز الشيخ محمد بن راشد للتواصل الحضاري الثقافي35366663536661البستكية التاريخية- بجانب ديوان الحاكم
    مركز المعلومات الإسلامي39869503986956الضيافة- خلف الدفاع المدني
    مركز كلمة26441152644611المحيصنة 3
    مركز مناهل الخير28629792862980الراشدية- شارع 50
    'مركز الفاروق عمر بن الخطاب39414443949990'مسجد الفاروق عمر بن الخطاب- جميرا 3
    مركز جميرا للتعليم الإسلامي 39494613949461أم سقيم- خلف سبينس
    مركز إصلاح الهندي 39393613939362القصيص 2
    مركز أبو بكر الصديق الإسلامي26698002661423هور العنز شرق -مقابل سنشري مول
    مركز السنة للتعليم الديني26858222682308الوحيد - بجانب مسجد على بن أبي طالب
    مركز الثقافة السنية الإسلامية 29739992973666الحمرية- بجاب مستشفى دبي
    المركز الهندي للجامعة السعدية العربية 26169892632132القصيص2 - مقابل عيادة القصيص
    مركز دبي الديني لمسلمي كيرالا 22748992237117السبخه - سوق نايف- بناية الفردان-ط4
    المركز الهندي الاسلامي بدبي27268002716888شارع المطينة- خلف سوبرماكت هابي لاند
    مركز انجمن نجمي 27172722724789القصيص
    المركز الإسلامي الصيني428544014285661سوق التنين

الأربعاء، 11 يوليو 2012

تلخيص كتاب توزيع الدخل في الاقتصاد الإسلامي والنظم الاقتصادية المعاصرة


تلخيص كتاب توزيع الدخل في الاقتصاد الإسلامي والنظم الاقتصادية المعاصرة

يعرف علم الاقتصاد: بأنه العلم الذي يبحث في كيفية غدارة واستغلال الموارد الاقتصادية النادرة, لإنتاج أمثل ما يمكن إنتاجه من السلع والخدمات, لإشباع الحاجات الانسانية من متطلباتها المادية التي تتسم بالتنوع والوفرة, في ظل إطار معين من القيم والتقاليد والتطلعات الحضارية للمجتمع , وهو يبحث أيضا في الطريقة التي يوزع بها الناتج الاقتصادي بين المشتركين في العملية الانتاجية بصورة مباشرة وغير مباشرة.

في صدر الاسلام كانت المعاملات الاقتصادية بسيطة والمشكلات محدودة, لكن مع الفتوحات الاسلامية وتوسع الدولة الاسلامية بدأ المعاملات المالية تتعقد والمشكال تظر مما دفع بالعديد من المفكرين والفقهاء بمعالجة هذه الجوانب وغالبا كانت تتم من منظور فقهي أكثر منه اقتصادي , وظهرت العديد من المؤلفات في المجال الاقتصادي

معظم التعريفات الاسلامية تضع الاقتصاد في مرتبة متوسطة بين طرفين متناقضين هما التقتير والاسراف, وانقسم المفكرين بين فريقين الأول يرى أنه لايوجد شيء اسمه اقتصاد اسلاميو والثاني يقر بوجود هذا الاقتصاد

الفريق الأول يرى بأن الاسلام مجرد عبادات, وليس له ان يتدخل في تنظيم الحياة السياسية والاقتصادية للدولة, حيث أن هذه الأعمال هي أعمال دنوية وليست من صلب اختصاص الأنياء والرسل, هذا الرأي جعل هناك نقد للإسلام بأنه قاصر وغير مكتمل الجوانب, وهذا غير صحيح أبدا, لأن الله تعالى قال في كتابه: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي, ورضيت لكم الإسلام دينا. فهذه الآية تدل على أن الإسلام كشريعة وعقيدة مكتمل ولا نقصان فيه, ومن هنا فنحن ملزمون بجميع تصرفات النبي في المعاملات القضائية والتجارية وغيرها, وليس لنا الاقتصار على التبليغ والدعوة, فنحن ملزمون بما كان يقوم به الرسول في أحكام الامامة والقضاء والتبليغ, فأحكام الامامة هي التي تناط بإمام المسلمين تكون في المصلحة العامة مثل اعلان الحرب والسلم والمعاهدات وتوزيع الاقطاعات و قسمة الغنائم, أما أحكام القضاء فهي المنوطة للفصل بين المتخاصميين, وأحكام التبليغ هي المتلعقة بالدين والتي تكون من الله تعالى عن طريق الرسول كالحلال والحرام والصلاة والصوم والأخلاق وينوب عن مهمة التبليغ بعد الرسول قضية الفتيا للعلماء الذين ورثوا العلم عن طريق الكتاب والسنة.

إن أهم القضايا التي لها صلة وثيقة بالاقتصاد هي: الزكاة, صدقة التطوع, الصوم, الفدية, زكاة الفطر, الحج, الهدي, البيوع, الربا والصرف, السلم, القرض, الرهن, الحوالة, الضمان, الشركة, الوكالة, الغصب, الشفعة, المساقاة, المزارعة, المخابرة, الاجارات, إحياء الموات, الوقف, الهبة, الوصايا, الميراث, الوديعة, الفيء و الغنيمة, الكفارات, الديات, العشور, الجزية, الخراج, النذور, القسمة, التسعير.

يمكن تقسيم القضايا السابقة حسب فروع الاقتصاد المعاصر إلى :
1-      النظام المالي
2-      توزيع الدخول:
    §         توزيع الدخل على عوامل الانتاج
    §         إعادة توزيع الدخل
    §         التوزيع الأساسي
3-      التنمية الاقتصادية
4-      النقود والمصارف
5-      النظام الاقتصادي
6-      الاقتصاد الدولي
7-      النظرية الاقتصادية

الفريق الثاني يرى بوجود اقتصاد إسلامي,وهذا الفريق بدوره ينقسم إلى أربعة آراء:
الأول: الاقتصاد الاسلامي علم, الثاني: الاقتصاد الاسلامي مذهب, الثالث: الاقتصاد الاسلامي نظام, الرابع: الاقتصاد الاسلامي مذهب ونظام.

الاقتصاد الاسلامي علم: كما هو معروف فإن علم الاقتصاد يدرس الظواهر الاقتصادية ويحللها ويفسرها لاستخراج القوانين الاقتصادية التي تحكم هذه الظواهر الاقتصادية, فهو بذلك علم محايد, أي أنه ليس اشتراكي ولا رأسمالي ولا إسلامي. هذا من جانب, أما الجانب الآخر فإن علم الاقتصاد يشمل أيضا بعض الجوانب الاجتماعية ومن هنا يمكن أن تتولد الاختلافات بين نظام اقتصادي ونظام اقتصادي آخر, حسب القيم والمبادئ والأفكار التي تحكم هذا المجتمع أو ذاك, فمثلا هناك قوانين اقتصادية لا تنطبق عليها قواعد الشريعة, كقانون العرض والطلب, قانون غريشهام, قانون المنفعة الحدية, قانون الميزة النسبية, لكن هناك بعض القوانين الاقتصادية التي لابد من مراعاة ضوابط الشريعة عند استخدامها, وهي مثلا: قوانين الانتاج والتوزيع, التمويل, فأنصار هذا الرأي يقولون بأن علم الاقتصاد علم محايد, لكن الحقيقة أن علم الاقتصاد ليس محايد تماما, بل هو علم إنساني, يخضع لمجموعة قيم ومبادئ معينة في المجتمع الذي يطبق فيه. فالمطلوب من الاقتصاد الاسلامي الكشف عن الظواهر الاقتصادية, وإيجاد القوانين التي تحكمها, وصياغتها صياغة فنية, كل ذلك في ضوء ضوابط ومحددا الشريعة, عندها نستطيع ان نقول بأنه لدينا اقتصاد إسلامي.

الاقتصاد الاسلامي مذهب:  نقصد بالمذهب, الإيديولوجيا, أي الطريقة التي يفضل المجتمع اتباعها في حياته الاقتصادية وحل مشكلاتها, فالاقتصاد الاسلامي هنا هو عبارة عن الطريقة الاسلامية في تنظيم الحياة الاقتصادية للدولة أو المجتمع, بما يملكه هذا المذهب من رصيد فكري في مجال الضوابط العلمية والخلاقية والشرعية, بما يتصل بجوانب الحياة المختلفة, النقد الموجه لهذا الرأي أن الإسلام ليس مجرد طريقة فيها الاختيار بتطبيق بعض جوانبها وعدم تطبيق الجوانب الأخرى, بل هو ملزم التطبيق فيما يخص القواعد والأصول الاسلامية الثابتة, أما التطبيقات فهي المتغيرة والتي تختلف من مرحلة لأخرى.

الاقتصاد الاسلامي نظام: يقصد بالنظامو مجموعة الأحكام التي يصطلح على وجوب احترامها وتنفيذها لتنظيم الحياة في كافة مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ففي حالة الاقتصاد الاسلامي تكون هذه الأحكام مستنيطة من الشريعة الاسلامية, من هنا نرى كيف أن كل نظام اقتصادي له خصائصه التي تميزه عن غيره من النظم الأخرى, فالنظام الاتصادي الرأسمالي, غير الاشتراكي, غير الإسلامي, وكما هو معروف فإن الإسلام جاء بنظام كامل متكامل يشمل جميع الجزئيات والكليات, لكن ما يترتب على علماء الاقتصاد الاسلامي إيجاد هذه الأحكام وتكييفها أو تطبيقها على المشاكل الاقتصادية المعاصرة لحلها, ومن هنا فإن مصادر هذه الأحكام هي نفسها المصادر الشرعية, سواء كانت مصادر أصلية: كالقرآن والسنة, أو مصادر تبعية: كالقياس والاجماع والاستحسان, وهذه الأخيرة هي التي تحمل الاجتهاد, لذلك أصحاب هذا الفريق يرون أنه يستحسن إطلاق لفظ النظام الاقتصادي الإسلامي بدلا من لفظ علم الاقتصاد الاسلامي, حيث أن الشريعة نظرت إلى الاقتصاد بوصفه مادة الثروة وجاء بنظام يضبط هذه الثروة من جهة كيفية حيازتها وتوزيعها وهذا هو النظام الاقتصادي, أم الثروة بحد ذاتها من حيث وجودها وإنتاجهاوهو ما يطلق عليه اسم علم الاقتصاد, لم يأت الاسلام بخطة اقتصادية في هذا المجال, فمثلا لم يحدد الإسلام أي شيء عن الوسائل التي يجب اتباعها في التصنيع مثلا وإنما ترك ذلك للخبرة البشرية, وهنا يذكرنا الحديث الشريف: أنتم أدرى بأمور دنياكم, فالإسلام يبحث في موضوع النظام الاقتصادي وليس في موضوع علم الاقتصاد بحد ذاته.
الاقتصاد الاسلامي مذهب ونظام: فالبعض يرى أن الاقتصاد الإسلامي ذو وجهين: الأول هو المذهب الاقتصادي الإسلامي والمقصود به, المبادئ والأصول الاقتصادية التي جاء بها الاسلام حسبما وردت في القرآن والسنة, فهي ثابتة وملزمة بغض النظر عن درجة التطور الاقتصادي للمجتمع, مهمة الباحث في الاقتصاد الاسلامي هنا الكشف عن هذه الأصول الاقتصادية والتعبير عنها بلغة اقتصادية فنية, الوجه الثاني:هو مجموعة التطبيقات الاقتصادية الاسلامية, وهو وجه متغير, لأنه هو الأساليب العلمية والحلول الاقتصادية التي يتوصل إليها المجتهدون استنادا إلى المبادئ الاقتصادية العامة الكلية, وهو ما يعرف باسم النظام الاقتصادي.
المبحث الثاني: علاقة الاقتصاد الاسلامي بالعلوم الشرعية:
يرتبط الاقتصاد الاسلامي بالعديد من العلوم منها ما هو شرعي, كالعقيدة والأصول والتفسير والحديث, ومنها ما هو إنساني, كعلم الاجتماع وتاريخ الأفكار الاقتصادية وغيرها, وسنقتصر هنا على الحديث عن علاقة الاقتصاد الاسلامي بثلاثة مواضيع هي, العقيدة الاسلامية والأخلاق والفقه
أولا - علاقة الاقتصاد الاسلامي بالعقيدة الاسلامية: في أي مجتمع تكون النظم الحاكمة لهذا المجتمع سواء النظام المالي أو السياسي أو الاجتماعي انعكاس للفلسفة الدينية والفكرية والثقافية التي يدين بها المجتمع, ونفس الشيء بالنسبة للاقتصاد الاسلامي, حيث أن العقيدة الاسلامية وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره تعد المصدر الأساسي للاقتصاد الاسلامي, ولا يمكن فك العقيدة الاسلامية عن الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأي مجتمع إسلامي, هذه العقيدة تفسر أحد أهم مبادئ ومفاهيم الاقتصاد الاسلامي الا وهي مسألة الاستخلاف, فالانسان مستخلف في هذه الأرض وكل ما يقع تحت يده من أموال إنما تعود ملكيتها النهائية لله تعالى, إنما الانسان عليه الانتفاع بكل ما هو مستخلف عليه, ويترتب على مبدأ الاستخلاف نتائج اقتصادية مهمة وهي: ضرورة استغلال الموارد بمافيه مصلحة الناس, وهذا لايتم إلا من خلال تسخير الطبيعة لصالح الانسان من خلال العلوم التطبيقية التي تكتشف القوانين التي تحكم هذا الاستغلال لهذه الموارد, هذا من جهة, ومن جهة أخرى, هذه القاعدة تجعل الانسان يقنع برزقه, ويقبل التفاوت الطبيقي بين الناس القائم على أساس الخبرة أو العمل أو العلم, ومن هنا فإن المال ليس هذفا في الاسلام كبقية النظم الاقتصادية, إنما هو وسيلة يستعان بها لقضاء الحاجات, ومن القضايا الأخرى التي تثيرها قضية العقيدة الاسلامية فيما يخص الاقتصاد الاسلامي قضية الندرة الاقتصادية, حيث أن الرزق الذي أنزله الله إلى الأرض هو رزق مقسوم بقدر معلوم, يكفي كل سكان الأرض من بشر وغير بشر, وما نراه من مشاكل اقتصادية هو بسبب سوء توزيع هذا الرزق.
ثانيا - علاقة الاقتصاد الاسلامي بالأخلاق الاسلامية: ما نلاحظه في بعض النظم الاقتصادية المعاصرة أنها لا تكيز بين ما هو أخلاقي وغير أخلاقي في معاملاتها, فالهدف الأسمى للاقتصاد اليوم هو إشباع الحاجات الانسانية بغض النظر عن طبيعة هذه الحاجات والرغبات وبغض النظر عن وسائل الاشباع, لكن الأمر مختلف في الاقتصاد الاسلامي, حيث أن الاخلاق تضبط وتوجه المعاملات المالية في ظل مجتمع واقتصاد اسلامي, ومن هنا يتبين لنا أن الاقتصاد الاسلامي هو الوحيد الذي ربط وبكل  وضوح وصراحة بين الأخلاق والاقتصاد, أما بقية النظم الاخلاقية, فصلت بينهما, على اعتبار أن القيم والأخلاق هي عبارة عن صفات شخصية .
ثالثا - علاقة الاقتصاد الاسلامي بالفقه الاسلامي: يرى بعض الفقهاء بأن الاقتصاد الاسلامي هو عبارة عن جزء من الفقه الاسلامي, وبناء عليه يجب أن تتم دراسته من قبل فقهاء الاسلام الذين بدورهم ينكرون لفظ الاقتصاد الاسلامي ويفضلون استخدام فقه المعاملات الاسلاميةو وبالتالي لا يخوض هذا المضمار إلا فقيه, والبعض الآخر يرى أن الاقتصاد الاسلامي و الفقه منفصلين وإن كان لا بد للشخص الذي سيخوض في الاقتصاد الاسلامي أن يتعرف على أصول الفقه في هذا المجال سواء كان فقيه أم عالم اقتصاد, ويمكننا إيجاد العديد من نقاط الاتفاق والاختلاف بين الاقتصاد الاسلامي والفقه الاسلامي, فالبنسبة لنقاط الالتقاء, موضوع علم الاقتصاد الاسلامي هو جزء من الفقه الاسلامي حيث أن الأخير أشمل وأوسعو فالفقيه يبحث في أحكام التي تخص أفعال الفرد السياسية والاجتماعية والاقتصادية, أما الاقتصاد الاسلامي فيتخص في جانب المعاملات الاقتصادية فقط. أما بالنسبة لنقاط الاختلاف: موضوع علم الفقه ينتهي عند بيان الحكم على المعاملة هل هي حلال أم حرام, بينما علم الاقتصاد الاسلامي يجاوز الحكم الشرعي إلى دراسة الظاهرة أو المعاملة الاقتصادية وفق المنهج العلمي في البحث الاقتصادي, وتحليلها واستنباط القوانين التي تحكمها, فمثلا قضية الاكتناز, الحكم الشرعي فيها حرام, فيقول الفقيه بذلك حسب الدليل الشرعي الذي بين يديه, أما الاقتصادي فيتجاوز هذا الحكم الشرعي للتدليل على الأثر السلبي للاكتناز على الاستثمار مثلا
المبحث الثالث: الثبات والتطور في الاقتصاد الاسلامي والنظم الاقتصادية
تتميز الشريعة الإسلامية بأنها تمتلك نوعين من المبادئ والأسس, منها ما هو ثابت في كل زمان ومكان, ومنها ما هو متغير ليتكيف مع كل زمان ومكان حسب الحاجة, وسنبين في هذا المبحث هذه المسألة من خلال النقاط الأربع التالية:
أولا التطور في النظم الاقتصادية: تتميز النظم الاقتصادية بالتطور التدريجي والارتقائي في الأفكار والمنهج, فتحل الأفكار الجديدة محل الأفكار القديم التي لم تعد ملائمة, أو ثبت خطؤها, حيث أنه لايوجد ثبات في الفكر الاقتصادي.
ثانيا مجال الثبات والتطور في الإسلام: فالثبات يكون في الأصول والكليات, والأهداف والقيم الأخلاقية, أما التطور فيصيب الفروع والجزئيات الاجتهادية من قياس واجتهاد وغيره, أي في الوسائل والأساليب والشؤون الدنيوية.
ثالثا: المصلحة والتطور: يقول البعض حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله لذلك ينبغي أن تتطور النصوص وتتبدل بتبدل المصالح, فلا يمكن جعل الشريعة صالحة لكل زمان ومكان إلا بتطور النصوص وتغيير أخكامها, مما دفع الكثير من الخائضين في مجال الاقتصاد الاسلامي يبيحون ما هو حرام شرعا ونصا باسم المصلحة. المصلحة هي المنفعة, وتقدير هذه المنفعة يكون من خلال الشارع - المشرع - الحكيم وليس الانسان بمفرده, لذلك لا يستدل على المنفعة من التجربة الشخصية فقط بل لا بد من عرض التجارب الشخصية على مقياس الشرع للتعرف على مدى شرعيتها والاعتداد بها, هذا وتقسم المصلحة إلى الأقسام التالية: المصلحة الملغاة, والمصلحة المعتبرة, والمصلحة المرسلة.
فالمصلحة المغاة: هي المصلحة التي شهد الشرع ببطلانها, بوجود نص أو اجماع على ذلك, مثل ورق اليتنصيب مثلا.
المصلحة المعتبرة: هي المصلحة التي يقر بها الشرع, وهي المتوافقة مع موضوع الشريعة في المحافظة على مقاصد الشرع الخمسة وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال, مثل تحريم المخدرات مثلا.
المصلحة المرسلة: وهي التي لايوجد فيها دليل قطعي بالاعتبار أو بالبطلان, لذلك الأساس فيها أن تكون مجلبة للمنفعة ودارئة للمفسدة, مثلا لو زادت النفقات العامة للدولة عن موارد بيت المال, هل يجوز فرض الخراج - الضرائب - على الاغنياء لسد هذا العجز, هنا نلاحظ وجود ضررين, الأول ضرر للدولة والثاني ضرر على الأغنياء, لكن القاعدة تقول بوجوب دفع أشد الضررين من خلال ارتكاب أخفهما, فيجوز فرض الخراج على الاغنياء, وهناك رأي آخر يقول بأنه يمكن للدلوة أن تقترض ثم تسد هذا الدين مستقبلا, فلأمر فيه خلاف وحمال لعدة احتمالات, لكن حتى لا تكون المصالح المرسلة مطية, وضع لها العديد من الضوابط لاجازتها وهي: 1- أن تكون ملائمة لمقاصد الشرع, 2- لأن تكون معقولة في ذاتها وليس مبينة على احتمالات وفرضيات, 3- أن يكون الأخذ بها حفظ أمر ضروري, أو رفع حرج لازم في الدين,
رابعا: الثبات والتطور في علم الاقتصاد والفقه الاسلامي: بينا سابقا أن هناك مرحلتين تكونان علم الاقتصاد الإسلامي هما المرحلة الفقهية والمرحلة الاقتصادية, وهو ما يمكن أن نطلق عليه فقه الاقتصاد المالي والاقتصادي, حيث أن الفقه يتسم بالثبات, فالربا مثلا حرمتها ثابتة, وهناك بعض الجوانب التي تخضع لرأي المشرع, حسب الحالة, فهي تتغير بتغير الزمان والمكان, فمثلا مصارف الزكاة حددتها آية كريمة في القرآن الكريم بثمانية أوجه, لكن سيدنا عمر بن الخطاب رأى بأن حصة المألفة قلوبهم أصبحيت غير ملائمة للعصر الذي يعيش فيه, كون أن الاسلام انتشر وقوي. وهكذا نرى أن هناك في الاقتصاد الاسلامي قسم ثابت وقسم متغير.

الفصل الثاني:
ماهية التورزيع وتاريخه في النظم الاقتصادية

المبحث الأول: مفهوم التوزيع:

الذي يقع عليه التوزيع هو الدخل أو الناتج القومي لذلك لابد لنا من دراسة الدخل القومي أولا, ثم مفهوم التوزيع, ثم أقسام التوزيع
أولا - الدخل القومي: يقصد به مجموع الدخول التي تحصل عليها عوامل الانتاج نتيجة مساهمتها في النشاط الانتاجي خلال فترة زمنية معينة غالبا هي السنة, على أن تقوم به عوامل الانتاج الوطنية, سواء كان الانتاج داخل أو خارج حدود هذه الدولة, وكما هو معروف فإن عناصر الانتاج تقسم إلى: العمل ورأس المال, والأرض, والتنظيم, وعوائد هذه العوامل هي على الترتيب: الأجور, الفائدة, الريع, الربح.
هذا ويمكننا أن نقسم الدخل القومي إلى الأنواع التالية: الدخل القومي النقدي, الدخل القومي الحقيقي, الدخل المحلي, فالدخل القومي النقدي: هو مجموع الدخول النقدية للأفراد في الدولة, الدخل القومي الحقيقي: مجموع السلع والخدمات التي يمكن ان يحصل عليها الأفراد من خلال دخولهم النقدية, الدخل المحلي: محموع العوائد التي يحصل عليها المواطنون والأجانب من أصحاب عناصر الانتاج داخل حدود البلد.
هناك عدة مصادر لدخل الفرد يمكننا أن نذكر منها: الأجر (الراتب), الفائدة, الريع (الإيجار), الربح, إعانات. وإذا توقفنا عند هذه الأخيرة فهي تعتبر مصدر دخل لفئة لم تساهم في العملية الانتاجية, لذلك تستبعد عند حساب الدخل القومي, لأن ما يهمنا هو دخول عوامل الانتاج التي ساهمت في العملية الانتاجية.
وتوجد ثلاثة طرق لقياس الدخل القومي ألا وهي: طريقة دخول عوامل الانتاج: الدخل القومي هنا يساوي مجموع الدخول التي حصلت عليها عوامل الانتاج مقابل مساهمتها في العملية الانتاجية, بشكل أجور وريع وفائدة وأرباح. الطريقة الثانية هي طريقة الناتج القومي الصافي: هنا نستبعد تكاليف الاهتلاك والسلع والخدمات غير الجاهزة من الحساب, الطريقة الثالثة وهي طريقة الانفاق القومي: حيث أن الدخل القومي يساوي مجموع الانفاق على السلع والخدمات, سواء كان هذا الانفاق يخص الاستهلاك أم الاستثمار
ثانيا - معنى التوزيع: باختصار هو توزيع الدخل أو الثروة على الأفراد, إن عملية توزيع الدخل القومي لها جانبين الأول توزيع الدخل القومي بين أصحاب عناصر الانتاج, الجانب الثاني: تحديد أثمان خدمات عناصر الانتاج, لابد لنا هنا من توضيح أن النظام الاقتصادي الاسلامي لا يهتم فقط بتحديد أثمان خدمات عوامل الانتاج, بل يهتم أيضا بموضوع الملكية والعدالة الاجتماعية وموضوعات التوزيع الشخصي, كما أن الفكر الاقتصادي الاسلامي لاينظر إلى عنصر عوامل الانتاج من خلال وظيفته فحسب, بل يربط بين هذه العوامل وأهميتها في المجتمع.
ثالثا - أقسام التوزيع: يميز الاقتصاديين بين نوعين من التوزيع هما التوزيع الشخصي والتوزيع الوظيفي, يقصد بالتوزيع الشخصي: الدخول الفعلية التي يحصل عليها الأفراد في المجتمع خلال سنة معينة, بغض النظر عن وظيفة الفرد في النشاط الاقتصادي وما يترتب عن عملية التوزيع هذه من فقر وغنى وتفاوت في توزيع الدخول بين مختلف أفاد المجتمع, أما التوزيع الوظيفي هو الذي يدرس عوائد عوامل الانتاج من أج وريع وفائدة وربح, الفكر الاقتصادي المعاصر ينظر إلى قضية التوزيع من خلال التوزيع الوظيفي ويهمل التوزيع الشخصي, أما الاقتصاد الاسلامي فهو يهتم بكلا الجانبين بسبب حرص الاسلام على تحقيق العدالة الاجتماعية.

المبحث الثاني: التوزيع في النظم الاقتصادية:
يمكننا تقسيم هذا المبحث إلى ثلاثة فقاط أساسية:
أولا توزيع الدخل في تاريخ الافكار الاقتصادية: لم يكن هناك في الحضارات القديمة أي منهج أو أساس لعملية توزيع الدخل القومي, لكن ظهرت بعض الأفكار الاقتصادية المتناثرة في بعض أفكار فلاسفة اليونان القدامى كأفلاطون وأرسطو وشيشرون, فمثلا أفلاطون في كتابه المدينة الفاضلة ينادي بضرورة تدخل الدولة لمنع الفقر والغنى في الدولة, و ضرورة إلغاء الملكية الخاصة لطبقة الحكام, أما أرسطو فقد أولى أهمية أكبر للملكية الخاصة ونادى بإلغاء الملكية العامة ومنع الاقتراض بفائدة, أما شيشرون فقاسم أرسطو حرمة الربا الذي كان يعتبره بمثابة القتل, كما قال المفكرون اليونان بأن ريع الأرض يتأثر بمدى قرب الأرض أو بعدها عن السوق الذي تصرف فيه منتجاتها.
تلى ذلك العصور الوسطى التي يمكننا أن نميز فيها بين الحضارة المسيحية في أوروبا, والحضارة الاسلامية في البلاد العربية, والملاحظ أن كل الدراسات الاقتصادية كانت مركزة على الحضارة المسيحية في اوروبا وقليل جدا منها اهتم بالحضارة الاسلامية حتى أن المفكرين المسلمين الذين تم تناولهم كانوا ممن عاش في أوروبا كابن خلدون و المقريزي, ما يميز الحضارة المسيحية في هذه المرحلة سيطرة الكنيسة على كافة مناحي الحياة في الدولة, وظهر من رجال الدين هؤلاء الذين اشتغلوا بالفلسفة والقانون الكاهن توماس الاكويني الذي دافع عن الملكية الخاصة, ونادى بفكرة السعر او الثمن العادل, وحرموا التعامل بالربا.
أما في الحضارة الاسلامية, فتم التأكيد على دور كل عامل من عوامل الانتاج في العملية الانتاجية, ورأو أن العمل هو محور وأساس النشاط الاقتصادي, ومساهة العمل في العملية الانتاجية يكون لها اما عائد على شكل أجر أو عائد غير ثابت كحصة من الارباح, وفي الحالة الخسارة يخسر العامل أجرة عمله بينما يخسر رب العمل رأس المال الذي وظفه, ويمكن أن تكون المشاركة بمزيج من النوعين السابقيم, أي أجر ونسبة من الأرباح, هذا في حالة كان العامل أجير وشريك في نفس الوقت, وهناك أشكال أخرى من الملكية كتملك الأرض الميتة بعد استصلاحها, فكان العمل هو مصدر للمكية في مثل هذه الحالة, كما تحدث الفقهاء أيضا عن المستوى الأدنى للأجور وفرقوا بين الأجر اذا كان العامل يعمل في الحكومة أو يعمل في نشاط خاص, أجيرا أو شريكا, كما أنهم ناقشوا موضوع الربح وما هو الربح المشروع وما هو الربح الغير مشروع, ومن العوامل الأخرى التي تم التطرق إليها في هذه المرحلة رأس المال, حيث أنهم لم يفرقوا بين رأس المال النقدي والعيني, وقالوا بحصول رأس المال على عائد يتمثل من خلال المشاركة او الاستثمار في مشروعات انتاجية مشروعة, حيث أن العائد يكون إما ربح أو خسارة, ورفض الاسلام أن يكون عائد رأس المال فائدة, أما بالنسبة لعائد الأرض فهو الريع, الذي يحدده مدة عقد الايجار, او تشارك في الناتج الذي يخرج منها, ونلاحظ أن هناك بعض الأفكار المتقدمة في مجال الريع عند ابن خلدون, فهو يقول عندما تكون الدولة ضعيفة تكون قيمة العقارات منخفضة, وعندما تقو الدولة ويزداد نشاطها الاقتصادي, فإن قيمة العقارات ترتفع, وهذا الارتفاع ليس للفرد دور فيه إنما سببه الاحوال الاقتصادية بشكل عام, ومن الأفكار الاقتصادية المتقدمة عند ابن خلدون انه وضع نموذجا لتطور المجتمع, مبني على عنصرين أساسين هما تزايد السكان وتقسيم العمل, الذي يئدي بدوره إلى زيادة الانتاج وزيادة دخول الافراد, وظهر في تلك المرحلة العديد من المفكرين الذين كتبوا في المور الاقتصادية مثل: أحمد بن علي الدلجي, الذي بين أسباب الفقر, وقال بقانون العرض والطلب, ومنهم أيضا, الماوردي, الذي تحدث عن المال والثروة و الأجور. وظهرت كذلك بعض الأفكار الاقتصادية عند بعض الفلافسة المسلمين كابن سينا وابن رشد, الفارابي, فتطرقوا إلى مسألة المال وتوزيعه وعدالة توزيعه.
توزيع الدخل لدى التجاريين: في هذه المرحلة ظهرت بدايات المصانع, حيث أصبح الانتاج خارج نطاق البيت أو المحل, وأصبح في الورشة او المعمل او المصنع المملوك للتاجر, أي كان هناك تمييز بين العامل وبين صاحب رأس المال, وأصبحت التجارة هي العامل الاساسي في الاقتصاد والصناعة تابعة لها, وكان الهدف الاقتصادي هنا تعظيم أرباح التجار إلى أقصى ما يمكن مع الابقاء على معدلات منخفضة للأجور, وأصبحت الملكية الفردية أساس النشاط التجاري, وأجازوا الفائدة والتعامل بها.
توزيع الدلخ لدى الطبيعيين: أهم روادها, كيناي, الذي درس دورة الدخل من خلال بيان النفقات والايرادات في سنة ما من خلال الجدول الاقتصادي, او جدول المدخلات والمخرجات, وكانوا بذلك أول من درس التوزيع على المستوى الكلي, وكانوا يرون أن الارض هي مصدر كل ثروة, لذلك طالبوا الدولة بضرورة فرض ضريبة واحدة فقط, تكوون على الانتاج الصافي للمزارعين.
توزيع الدلخ لدى الكلاسيك: أبرز روادها سميث وريكاردو, و أولت قضية التوزيع أهمية كبيرة, حيث أن ريكاردو كان يرى أ، قضية التوزيع هي المشكلة الاقتصادية الأساسية, وميزوا بين الربح الذي هو عائد الادارة او التنظيم, والفائدة التي هي عائد رأس المال, حيث أن الفائدة هي عبارة عن ثمن الادخار.
توزيع الدخل لدى الاشتراكيين: تقسم الاشتراكية الى مرحلتين الاولى هي الاشتراكية والثانية هي الشيوعية, ففي الاولى يكون القانون الاقتصادي للتوزيع من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله, وفي الثانية من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته, وترى الماركسية أن توزيع الثروة يجري لصالح من يملك وسائل الانتاج, وبما ان المجتمع هو من يمكلك وسائل الانتاج فان عملية توزيع الثروة تكون لصالح المجتمع ككل وليس لصالح طبقة معينة, وترفض الماركسية مبدأ المساواة في توزيع الخيرات المادية, إنما هي يجب أن يكون حسب كمية العمل المبذول ونوعيته.
توزيع الدخل لدى المدرسة الحدية: يرون أن المكافأة التي يحصل عليها كل عنصر من عناصر الانتاج إنما تتوقف على الانتاجية الحدية لذلك العنصر.
ثانيا: العلاقة بين الانتاج والتوزيع في النظم الاقتصادية:
حسب الفكر الاقتصادي, فإن عملية التوزيع تابعة لعملية الانتاج, وإن شكل الملكية لوسائل الانتاج, هل هو اقطاعي, رأسمالي, أو اشتراكي, وبذلك فإن نظام التوزيع يختلف في مجتمع متقدم عنه في مجتمع متخلف,أما الاقتصاد الاسلامي فهو ينكر تبعية التوزيع لشكل الانتاج, أو درجة تقدم المجتمع أو تخلفه.
ثالثا: أهداف التوزيع في النظام الاقتصادي الاسلامي:
1- تنفيذ نظام اقتصادي يستطيع من خلاله اي فرد في المجتمع أن يستفيد من مؤهلاته وكفائته بحيث يكون أكثر نفعا للمجتمع الذي يعيش فيه, ليسود التعاون بين افراد المجتمع ويختفي الصراع بينهم
2- تخفيف حدة التفاوت في توزيع الدخل والثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية
3- كفاية الحاجات الأساسية للأنسان وتحقيق التكافل الاجتماعي
4- تأليف القلوب بين أفراد المجتمع

يلاحظ أن الخطة العامة التي اتبعتها الشريعة الاسلامية لتحقيق أهدافها في توزيع الدخل تعتمد على العناصر التالية:
1- شدة العناية بقضة التوزيع في الاسلام
2- تعدد نظم التوزيع وشمولها, مما يجعلها مرنة وصالحة لكل زمان ومكان, فمثلا معيار الحاجة يتيح للفرد أن يأخذ بقدر حاجته من الدخل بصرف النظر عما قدمه من عمل, وعيار المعاوضة الذي يتيح للفرد الحصول على جزء من الدخل بقدر ما قدمه من عمل
3- الوسطية والمرونة في استخدام وسائل التوزيع الالزامية و الطوعية دون الاقتصار على احداهما دون الاخر مثل الزكاة والنفقات عند الحاجة بين الأقارب
4- الحث على زيادة عرض المعونات - التحويلات الاجتماعية -
5- تخفيف الطلب على المعونات

الفصل الثالث: عوامل الانتاج وعوائدها في المذاهب الاقتصادية
المبحث الأول: عوامل الانتاج وعوائدها في المذاهب الاقتصادية المعاصرة
سنقوم هنا بالتطرق إلى أربعة نقاط أساسية هي: مفهوم الانتاج, عوامل الانتاج في الفكر الرأسمالي, عوامل الانتاج في الفكر الاشتراكيو عوامل الانتاج في الفكر الاقتصادي المعاصر.
أولا مفهوم الانتاج: كان المفكرون الأوائل يرون أن الأرض هي مصدر كل ثروة, فالانتاج عندهم كان عبارة عن خلق سلع جديدة, لذلك لم يكونو يرون في الصناعة أنها قطاع انتاجي, لأنها تحول المادة الموجودة أصلا من شكل إلى شكل آخر, ولم يدركو أن الثروة هي إضافة قيمة أو منفعة جديدة لم تكن موجودة من قبل, فدخلت هنا في تعريف الانتاج الخدمات ذات الصلة المباشرة بالعلملية الانتاجية, لكنه أهمل بقية الخدمات الأخرى كالدفاع والقضاء ورأو بأنها خدمات غير منتجة, وهذا غير صحيح, حيث أن الانتاج له قسمين سلعي وخدمي, حيث أن الانتاج الخدمي مثل مثل الانتاج السلعي يشبع حاجة او رغبة.
ثانيا: عوامل الانتاج في النظام الرأسمالي: سنتطرق هنا إلى نقطتين هما, التقسيم التقليدي لعوامل الانتاج, والتقسيم الحديث لعوامل الانتاج.
التقسيم التقليدي لعوامل الانتاج يرون أن عناصر الانتاج هي 3 عناصر: الأرض ورأس المال والعمل. ولم يفرقوا بين الربح والفائدة, لأنه كان غالبا من يقدم رأس المال هو من يقوم بإدارة المشروع, فيتحصل على الفائدة والربح, حيث عدوا الربح عائد على راس المال, لكن عندما تعمقت فكرة الفصل بين رأس المال والادارة, دخل العنصر الرابع من عناصر الانتاج في نظرية الانتاج ألا وهو عنصر الادارة او التنظيم, أما التقسيم الحديث للعمل فهو يدمج بين رأس المال والأرض, وبين العمل و الأدارة, ويرون أن هناك عنصرين للانتاج فقط هما: رأس المال والعمل.
ثالثا: عوامل الانتاج في النظام الاشتراكي: يرون أن هناك عنصر وحيد للانتاج ألا وهو العمل, وأن بقية عوامل الانتاج يمكن أن التعبير عنها بشكل أو آخر بالعمل.
رابعا: عوائد عوامل الانتاج في المذاهب الاقتصادية المعاصرة: حسب النظام الرأسمالي فإن عناصر الانتاج هي: الأرض والعمل ورأس المال والادارة, وكل عنصر من عناصر الانتاج هذه يحصل على عائد معيم نتيجة اشتراكه في العملية الانتاجية, وهي الريع والأجر والفائدة والربح, هذه العوائد تمثل أسعار عوامل الانتاج, وهذا السعر يحدده السوق بناء على قوى العرض والطلب, هذا من جانب عوامل الانتاج أما من جانب التوزيع, فإن النظام الرأسمالي يميل إلى مصلحة رأس المال في التوزيع, بينما النظام الاشتراكي يميل إلى مصلحة العمل في التوزيع.

المبحث الثاني: عوامل الانتاج في الاقتصاد الاسلامي:
يختلف مفهون الانتاج في الاقتصاد الاسلامي عن نظيره في الفكر الاقتصادي التقليدي كون أن الاقتصاد الاسلامي ينظر إلى الانتاج من كونه انتاج يشبع الحاجات المادية والمعنوية وليس فقط الحاجات المادية. وفي هذا المبحث سنتطرق لنقطتين أساسيتين هما: اختلاف العلماء في تحديد عناصر الانتاج في الاقتصادي الإسلامي وأسبابه, ومعيار تحديد عناصر الانتاج في الاقتصاد الاسلامي.
أولا: اختلاف العلماء في تحديد عناصر الانتاج في الاقتصاد الاسلامي وأسبابه:
في الفكر الاقتصادي التقليدي عندما نحدد أن هذا العنصر هو عنصر من عناصر الانتاج, فإننا نعترف بأن لهذا العنصر الحق في عائد نظير استخدامه في العملية الانتاجية فالصفة الأولى لعنصر الانتاج هي الانتاجية, النقطة الثانية المحددة لعنصر الانتاج في النظام الاقتصادي التقليدي هي طبيعة وبنية الاقتصاد وتوجهاته الفكرية التي تنظم وتشرع لهذا المجتمع.
بالنسبة للاقتصاد الاسلامي تعددت تصنيفات عناصر الانتاج بين مختلف الفقهاء ونرى منها:
منهم من أخذ بالتقسيم الرباعي التقليدي لعناصر الانتاج: الأرض, العمل, رأس المال, الإدارة
ومنهم من أخذ بالتقسيم الثلاثي لعناصر الانتاج: الأرض, العمل, ورأس المال. حيث دمج اإدارة بالعمل
ومنهم من أخذ بالمفهوم الثنائي لعناصر الانتاج: العمل و رأس المال. حيث دمجت الادارة بالعمل ودمجت الأرض برأس المال
ومنهم من أخذ بالمفهوم الأحادي لعناصر الانتاج: وهو العمل
ومنهم من قال إن عوامل الانتاج تقسم لقسمين عوامل مستقلة: الأرض والعمل ورأس المال, وعناصر تابعة: المخاطرة والزمن
ومنهم من أدخل التقوى في عناصر الانتاج
هناك أسباب رئيسية لهذا الاختلاف في تقسيم عوامل الانتاج: أولا: عدم وضوح الفوارق بين العناصر المشتركة مباشرة في الانتاج والعناصر النهائية التي تشترك في العملية الانتاجية بشكل غير مباشر. هذا أساسه الاختلاف الفكري بين مختلف المدارس الاقتصادية في كيفية نظرها لمفهوم القيمة, وخير مثال على ذلك رأس المال, هل يعتبر عنصر من عناصر الانتاج كما في الفكر الرأسمالي, أم أنه عمل سابق متجسد في شكل رأس المال وبذلك لا يعتبر من عوامل الانتاج كما في الفكر الاشتراكي. ثانيا: موضوع الفائدة وتحريمها, فمثلا العديد من الفقاء لا يعترفن برأس المال على أنه عنصر من عناصر الانتاج لأنه بذلك سيتحصل على عائد, وعائد رأس المال هو الفائدة, والفائدة محرمة في الاسلام.
ثانيا: معيار تحديد عناصر الانتاج في الاقتصاد الاسلامي: هناك عدة مقولات في تحديد أن هذا عنصر انتاج أم لا
فهناك مدرسة تقول بالملكية: أي أن من يملك الثروة المنتجة يكون عنصر من عناصر الانتاج, والنقد الأساسي له أن من لا يمكل الثروة المنتجة لا يعد عنصر من عناصر الانتاج حتى لو شارك في العملية الانتاجية, فهم يفترضون بأن الشخص يملك قوة عمله وارضه ورأس ماله. الاتجاه الثاني يقول بأنه لتحديد عنصر الانتاج مدى قدرة العنصر على توليد الدخل والحصول على العائد, فالعنصر الذي يحصل على عائد هو عنصر انتاجي, والعنصر الذي لايحصل على عائد ليس بعنصر انتاج حتى لو ساهم في العملية الانتاجية, وهذا النهج هو المتبع في الفكر الرأسمالي و الاشتراكي, المنهج الثالث المحدد لعناصر الانتاج هو المنهج الاسلامي, وهو لا يعتمد لا على ملكية عناصر الانتاج ولا على حصول العنصر على عائد نتيجة مساهمته في العملية الانتاجية, حيث أن المعيار هنا لتحديد عامل الانتاج هو مدى مساهة العنصر في العملية الانتاجية سواء حصل أو لم يحصل على عائد من هذه المساهمة, سواء كان هذا الاسهام مباشر أو غير مباشر, وسنورد مثالين على 1لك هما عقدي المضاربة والمزارعة.
الإسهام في المضاربة: يقصد بالمضاربة, دفع المال للغير للمتاجرة به, وحصيلة هذه المتاجرة يتقاسمها صاحب رأس المال و المضارب حسب الاتفاق بينهما, فالربح هنا اشترك في توليده عنصرين هما رأس المال والعمل.
الإسهام في المزارعة: في المزارعة تشترك ثلاثة عناصر في توليد الدخل, هي الأرض والعمل ورأس المال, وليست كلها على درجة واحدة من الأهمية حيث أن الأهمية الكبرى هنا تكون لعنصر العمل.
ويمكن القول بأن عناصر الانتاج في الاقتصاد الاسلامي هي 3 عناصر: العمل ورأس المال والأرض, أما الادارة فتعتبر من ضمن العمل.

المبحث الثالث: عوائد عوامل الانتاج في الاقتصاد الاسلامي:
في الفكر الاقتصادي التقليدي كل عنصر من عناصر الانتاج يتحصل على عائد واحد فقط, أما في الفكر الاقتصادي الاسلامي يمكن لعنصر الانتاج الواحد أن يتحصل على أكثر من عائد حسب مساهمته وطبيعة مساهمته في العملية الانتاجية, فبالاضافة إلى مدى مساهمة العنصر في العملية الانتاجية, يمكن أن نعطي بعض الأهمية النسبية لبعض العناصر على بعضها الآخر, طبعا المساهة ليست هي المعيار الوحيد في تحديد العوائد, لأن هناك فئات من المجتمع غير منتجة, مما يجعلها لا تتحصل على أي عائد من العملية الانتاجية, لذلك يضاف إلى معيار المساهمة, معيار اجتماعي آخر لتحقيق العدالة الاجتماعية هو معيار الحاجة, وهذا المعيار ليس اختياريا بل هو في بعض الحالات اجباري كما في حالات الزكاة والنفقة على الأصول والفروع.
ويمكننا أن نقول بأن عناصر الانتاج في الاقتصاد الاسلامي 3 هي: العمل, ورأس المال, والأرض. حيث أن عائد العمل هو الأجر و/أو الربح, وعائد الأرض أيضا الأجر و/أو الربح, وعائد رأس المال هو الربح

الفصل الرابع: الأجر في الاقتصاد الاسلامي والنظم الاقتصادية:

المبحث الأول: نظريات الأجر في النظم الاقتصادية التقليدية:
هناك نظريات كثيرة في تحديد الأجر في الفكر الاقتصادي التقليدي سنأتي على ذكر أهمها ألا وهي: نظرية حد الكفاف, نظرية رصيد الأجور, نظرية المطالب المتبقي, نظرية الانتاجية الحدية, نظيرة العرض والطلب.
أولا: نظرية حد الكفاف: ترى هذه النظرية أن أجر العامل يجب أن يتحدد بحد الكفاف أو الحد الأدنى ليبقي هذا العامل وأسرته على قيد الحياة, وإن زيادة الأجر فوق حد الكفاف سيؤدي إلى تشجيع العمال على زيادة الانجاب مما يزيد من عرض قوة العمل مما يؤدي إلى تخفيق الأجر من جديد إلى مستوى الكفاف, وبالمقابل, فإن انخفاض الأجر دون حد الكفاف سيؤدي إلى بؤس العمال ويزيد من معدلات الوفاة بينهم مما يؤدي إلى انخفاض عدد العمال مما يؤدي إلى رفع الأجر من جديد إلى مستوى الكفاف, الانتقادات الموجهة إلى هذه النظرية, ليس هناك علاقة مباشرة بين ارتفاع دخل العمال وزيادة الانجاب عندهم, ولقد اهتمت بجانب العرض في القوة العاملة وأهملت جانب الطلب, ولم تقدم تفسير عن سبب اختلاف الأجور بين العمال العاديين والعمال المهرة.
ثانيا: نظرية رصيد الأجور (مخصص الأجور):  تقول هذه النظرية بأن أصحاب الأعمال يخصصون مبلغا معينا لدفع الأجور من إيرادهم السنوي بعد خصم الأرباح والفوائد و الريع, وبذلك يتحدد الأجر من خلال قسمة المبلغ المخصص للأجور على عدد العمال, فطالما أن المبلغ الذي تم تخصيصه للأجور و عدد العمال بقي ثابت, فإن الأجر سيبقى ثابت أيضا, مما يعني أنه لزيدة متوسط الأجر لابد من إما زيادة رصيد الأجور أو تقليل عدد العمال. الانتقادات التي وجهت إلى هذه النظرية أنها لم تحدد كيفية تحديد رصيد الأجور من قبل أصحاب الأعمال, ولم تعط تفسيرا معقولا بحتمية انتقال تأثير تغير الأجور في أحد الصناعات على الأجور الصناعات الأخرى, فمثلا انخفاض الرواتب في قطاع الصناعة لا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الأجور في قطاع السياحة, كما أنها أهملت الكفاءة الانتاجية للعمال, ولم تبين التباين بين العمال المهرة والغير مهرة.
ثالثا: نظرية المطالب المتبقي: تقول هذه النظرية بأن الدخل الاجمالي يقتطع منه أولا الريم ثم الفائدة ثم الربح, والمبلغ المتبقي يخصص للأجور, فإنه ومع ارتفاع الدخل الاجمالي فإن مخصص الأجور سيرتفع بالتالي مما يرفع متوسط الأجر بدوره, ما ينتقد على هذه النظرية ترتيب الأولويات في الاقتطاعات, فالبعض يرى أن حصة الأجور من الدخل الكلي هي الحصة الأولى بالاقتطاع وليس الريع, وأهملت هذه النظرية جانب العرض في العمل.
رابعا: نظرية الانتاجية الحدية: تقول هذه النظرية بأن الأجر يتحدد بناء على ما تضيفه الوحدة الأخيرة من العمل إلى الناتج الكلي, وهي تفترض ظروف المنافسة الكاملة في سوقي السلع والعمل بحيث لا يؤثر أي تغيير في أحدها على الآخر, وبذلك يكون المشروع قادر على توظيف عمال طالما كانت الاضافة الكلية في الدخل التي يضيفها عنصر العمل الجديد أقل مما سيتقاضاه على شكل أجر, الانتقادات التي وجهت لها, أنها تفرض حالة المنافسة الكالمة, وتهتم بجانب الطلب وليس العرض, قد تؤدي إلى الظلم لأنها تساوي بين العامل الذي انتاجيته أكبر من الانتاجية الحدية مع العامل ذي الانتاجية الحدية.
خامسا: نظرية العرض والطلب: يرى الفكر الاقتصادي أن العمل سلعة كبقية السلع وبذلك يتحدد سعر من خلال قوى العرض والطلب, والعلاقة طردية بين سعر العمل, الأجر, والطلب على العمل, لكن الطلب على العمل هو طلب مشتق من الطلب على السلع والخدمات النهائية, وتناولوا موضوع عرض العمل وكيف أن هذا العرض تحكمه عدة عوامل, كمعدل النمو السكاني, والعادات والتقاليد, القيم السائدة.

المبحث الثاني: أسس تحديد الأجر في الاقتصاد الاسلامي:
سنقوم بهذا المبحث بدراسة النقاط التالية:
أولا: نظرية العرض والطلب في النظام الاقتصادي الاسلامي
ثانيا: أثر الأخلاق الإسلامية في تحديد الأجور وتقديرها
ثالثا: كيفية تحديد الأجور وأسسه في النظام الاقتصادي الاسلامي.

أولا: نظرية العرض والطلب في النظام الاقتصادي الاسلامي:
لا تقل مساهمة العلماء المسلمين في نظرية العرض والطلب عن مساهات الاقتصاديين الآخرين, لكنها لم تجد من يسلط عليها الضوء, أو يتبناها أو يطورها ويبني عليها, ومن أوائل من قال بنظرية العرض والطلب, القاضي أبو يوسف حيث دافع عن عدم التسعير أو تحديد السعر من خلال الدولة, لكن يؤخذ على أفكاره, أنه في تفسيره لغلاء أو رخص سلعة معينة, كان ينظر إلى الجانب الكمي من المعروض من هذه السلعة, وأهمل رغبة الناس في هذه السلعة من عدمه, أي أنه اهتم بجانب العرض وأهمل جانب الطلب, جاء بعده الجاحظ, الذي ربط بين التغير في سعر السلعة, والتغير في المعروض منها إضافة إلى تغير عنصر الحاجة لها, أي تغير الطلب عليها, فكان يرى أنه إذا زادت الكمية الموجودة من الشيء ولم تزد الحاجة إليه صار رخيصا, وإذا قلت الكمية الموجودة من الشيء واشدت الحاجة إليه أصبح غاليا, كانت هذه البدايات البسيطة التي تطرق فيها إلى قانون العرض والطلب, تلتها بعد ذلك العديد من الأفكار المتقدمة التي بدأت تأخذ شكل أكثر وضوحا وتستخدم مصطلحات محددة في الحديث عن العرض والطلب, فبعد 200 سنة من الجاحظ ذكر أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي عام 1175 م في كتابه (الاشارة إلى محاسن التجارة) ذكر الأساس الذي يقاس عليه زيادة السعر أو انخفاضه, فكان يرى أن لكل شيء يمكن بيعه قيمة متوسطة معروفة عند أهل الخبرة به, وما زاد عن هذا السعر المتوسط سمي بأسماء مختلفة حسب مقدار الزيادة, فإن كانت الزيادة يسيرة قيل تحرك السعر, وإن زاد أكثر يقال قد نفق السعر, وإن زاد أكثر يقال قد غلا السعر, وإن زاد أكثر يقال قد تناهى السعر, وفي مقابل هذه الأسماء المختلفة للزيادات السعرية, هناك تسميات محددة للانخفاضات السعرية أيضا, فإن كان الانخفاض بسيطا عن السعر المتوسط يقال هدأ السعر, وإن انخفض أكثر يقال كسد السعر, وإن نقص أكثر يقال اتضع السعر, وإن نقص أكثر  يقال رخص السعر, وإن رخص أكثر يقال قد بار السعر, وإن رخص أكثر يقال سقط السعر. وبين الدمشقي طريقة تحديد السعر المعتدل أو المتوسطي, أو ما يطلق عليه اليوم بالسعر التوازني, من خلال أن يسأل الثقات الخبيرين عن سعر هذه السلعة في بلدهم على ماجرت به العادة في أكثر الأوقات المستمرة, والزيادة والنقصان المتعارف عليها, والزيادة النادرة و النقصان النادر في سعر هذه السلعة. هذ وقد بين الدمشقي الأسباب التي تقف وراء تغير سعر السلعة عن سعرها المتوسطي, من خلال تغير ظروف العرض أو الطلب أو كليهما, فهو يرى أن السعر يرتفع إذا قل المعروض من السلعة مع بقاء الطلب على حاله, أو إذا زاد الطلب مع بقاء العرض على حاله, وأكد أن السعر لابد من أن يعود إلى السعر المتوسط بعد زوال الأسباب التي ادت إلى تغيره. وجاء بعد الدمشقي العديد من العلماء المسلمين الذين زادو على هذه الفكار, فنرى كيف أن ابن خلدون تحدث في السعر العادل او المتوازن والأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع السعر وانخفاضه, لكنه زاد على الأسباب العامة, اسباب خاصة تؤثر في السعر, كالاحتكار, وتدخل السلطات العامة, وتقسيم العمل, ونفقات النقل, والمكوس (الضرائب). وكان تحليل ابن خلدون تقدمي, حيث ربط بين مستوى الدخل وحجم الطلب, وبين أثر العادات والتقاليد والأنماط الاستهلاكية على الطلب, وأوضح أيضا أثر البيئة الجغرافية أيضا على العرض والطلب, كما أن ابن خلدون لم يقف عند تحديد أسعار السلع المادية, فإنه لم يهمل أثر عوامل العرض والطلب في تحديد أثمان خدمات عوامل الانتاج, حيث كان يرى أن الطلب على العمل هو طلب مشتق من الطلب على السلع, وبين أثر انتاجية العامل على الطلب على العمل, وتطرق إلى العوامل المؤثرة في عرض العمل, كالتركيب السكاني, والتركيب العمري, والتوزيع الجغرافي لها. جاء بعد ابن خلدون العديد من العلماء المسلمين الذين زادوا على هذه الأفكار, فابن تيمية مثلا قال من العوامل التي تؤثر على السعر, القوة الشرائية للنقد, وعوامل دينية وخلقية واجتماعية, وقال بجواز تحديد الأجر في ظروف معينة, مع مراعاة المكان الذي يسكن فيه العامل ومستوى الأسعار العام السائد فيه. ان اهتمام علماء المسلمين بقضية العرض والطلب دفعهم إلى شرح بعض التدابير التي من شأنها أن تعجل قوى العرض والطلب تعمل بحرية أكثر في السوق, ومن أهم هذه التدابير:
1- منع الغش
2- تحريم النجش: وهو زيادة السعر من قبل شخص لا يود شراء سلعة, ليشتريها شخص آخر بسعر مرتفع
3- منع غبن المسترسل: وهو الشخص الذي ليس على معرفة بالسعر العادل للسلعة, سواء كان بائعا أم مشتر
4- منع تلقي الركبان: فلا يجوز شراء السلع من الركبان القادمين من البادية إلى الحضر, قبل وصولهم السوق ومعرفتهم بالسعر العادل فيه
5- تحريم الاحتكار
6- منع بيع المضطر
7- منع الغبن في البيع: وهو ظلم المشتري بالبيع له بثمن أعلى, أو ظلم البائع بالشراء منه بثمن أدنى.

ثانيا: أثر الأخلاق الإسلامية في تحديد الأجور وتقديرها
تهدف الشريعة إلى جعل العلاقة بين العمال وأرباب العمل علاقة أخوية, وليست علاقة صراع, في الفكر الاقتصادي التقليدي يقولون إن العقد شريعة المتعاقدين, ولو كان هذا العقد يحمل ظلما لطرف على آخر, كما أن ذلك يكون مبرر للعامل بأن يتهاون في أداء وظائفه بحجة قلة الأجر. إن التزام صاحب العمل بأداء حقوق العامل, والتزام العمال بواجباتهم, ليس مجرد واجب تعاقدي, إنما هو واجب ديني وأخلاقي, فالعامل مطالب بأداء المهام الموكلة إليه على أكمل وجه, وكأنه يعمل لحسابه الخاص, ويكون هدفه النهائية خدمة الناس من خلال تقديم سلعة أو خدمة متميزة, بغض النظر عن الأجر هل هو عادل أو غير عادل, أما أن يكون العمل وجودته متناسبة مع ما يتقاضاه العامل من أجر, فهذا المبدأ غير مقبول في الشريعة الاسلامية, كما أن صاحب العمل مأمر بعدم بخس العامل أجره, حتى ولو بخسه قانون العرض والطلب, فهو مأمور بمساعدة العامل ماديا ومعنويا وجسديا.

ثالثا: كيفية تحديد الأجور و أسسه في النظام الاقتصادي الاسلامي:
يرى بعض الفقهاء بأن تحديد الأجور يتم كتحديد الأسعارلأي سلعة عن طريق أهل الخبرة, فقد تتشكل لجنة تضم من يمثل ولي الأمر وأصحاب العمل والعمال, فيتوسط المقوم بين أصحاب العمل والعمال للوصول إلى هذا السعر العادل للأجر. لقد اختلف الباحثون في نظام العمل في الشريعة الإسلامية في الأساس الذي تبنى عليه تحديد الأجور على ثلاثة أقوال:
1- القول الأول: يرى بأن يتحدد الأجر بقيمة المنفعة التي يتحصل عليها صاحب العمل من خلال استئجاره للعامل, ويحددها أهل الخبرة حسب قانون العرض والطلب فتقدر بما يعرف بأجر المثل, حيث أن ما يلزم صاحب العمل بالأجر شرعا, هو حصوله على منفعة من هذا العامل جراء استئجار قوة عمله, هذا القول يعطي مصلحة للأصحاب العمل على حساب العامل. حيث أنه يسنح له بتخفيض الأجر في حالات الركود الاقتصادي أو اشتداد المنافسة, ويسمح له بوضع حد أعلى للأجور في حالة التضخم.
2- القول الثاني: يقول إن تحديد الأجر يكون بناء على أساسين, هما: قيمة العمل, وكفاية العامل وأهله, مع مراعاة اختلاف الأعمال والأشخاص والأحوال والأعراف, والانتقاد الموجه إلى هذا القول, كما في القول الأول قيمة العمل لا تصلح لأن تكون معيار لتحديد الأجر, لأنه بذلك نكون قد جعلنا الأجر تابع لسعر السلعة في السوق, أما بالنسبة للكفاية, فإن أصحاب العمل ليسوا ملزمين شرعا بكفاية العامل, حيث أن هذه من مهام الدولة ضمن ما يعرف بواجباتها ضمن الضمان الاجتماعي, فليس من العدالة أن يحصل العامل المتزوج على أجر أعلى من العامل الأعزب وهما يقومان بنفس العمل.
3- الرأي الثالث: الذي يقول أن الأجر يتحدد بناء على نظرية الأجر العادل, حيث أن فكرة الأجر العادل لا تتحقق إلا إذا توفر لها نوعين من العدالة, الأول هو عدالة التوزيع: عمال المهنة الواحد أصحاب الكفاءات الواحدة يحصلون على نفس الراتب وذلك بغض النظر عن حاجاتهم الشخصية, والنوع الثاني عدالة السعر, وتعني أن يأخذ العامل أجرا متعادلا مع ما بذله من جهد, دون التأثر بالاحتكارات التي تسود سوق العمل, والتي تؤثر في منفعة العمل, وعلى الدولة أن تعمل على إبقاء سعر منفعة العمل فوق الحد الأدنى للأجور وذلك من خلال اتباع الأسلوبين التالين, الاول العملل على تشغيل اليد العاملة العاطلة عن العمل, وبذلك تحد الدولة من تدخل قانون العرض والطلب على سعر منفعة العمل في سوق العمل, والثاني زيادة قيمة أجر العامل بنفس نسبة التضخم لتعويض النقص الذي أصابه.
4- القول الرابع: يقول بأن يعطى العامل الأجر العادل الذي هو حد الكفاية له ولأسرته دون اسراف او تقتير, حيث أن كفاية العمال ليست واحدة, وهي تختلف باختلاف أحوالهم وظروفهم, مع مراعاة العلاقة بين الأجر النقدي والأجر الحقيقي, والانتقاد الموجه هنا أنه ليس على صاحب العمل أن يكفل حد الكفاية للعامل, لأن الدولة هي المسؤولة هنا لتسوية وضع العمال الذين تكون نفقاتهم أكبر من دخولهم
5- رأي الباحث في تحديد الأجور: يمكننا أن نميز بين نوعين من العمال, العمال الذين يعملون في القطاع الخاص, وعمال القطاع الحكومي, فالكاتب يرى, أنه بالنسبة لفئة عمال القطاع الحكومي, فأن الأجر يجب أن يوفر الكفاية لهم, وإلا فإنهم سوف يفسدون ويفسدون, بل ويمكن أعطائهم فوق حد الكفاية في حالات الرخاء الاقتصادي, أما بالنسبة للفئة الثانية من العمال, وهي التي تعمل في القطاع الخاص, يمكن تحديد أجورها بناء على تفاعل قوى العرض والطلب, مع ضرورة تدخل الدولة في الحالات لمنع الحالات التي يعمل فيها هذا القانون ضد مصالح الطبقة العاملة أو ضد مصالح أرباب العمل, ويجب التنويه, أن الأجر لهذه الفئة لا يشترط فيه الكفاية, لأنها من واجبات الدولة وليس من واجبات أرباب العمل.

المبحث الثالث: العقود المنظمة للأجر في الاقتصاد الاسلامي:
سنأتي على ذكر 3 عقود أساسية منظمة للأجر في الاسلام هي: الإجارة, الجعالة, الاستصناع

أولا: الاجارة:
تعرف الاجارة بأنها عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض, وهي تقسم إلى إجارة أشخاص و أجارة أعيان, فبالنسبة لأجارة الأشخاص سنميز بين نوعين من العاملين أو الأجراء, هما الأجير الخاص والأجير المشترك, أما بالنسبة لإجارة الأعيان فهي تشمل فروع كثيرة, مثل إجارة الأرض, والدور والمباني, والحيوانات وغيرها, لكن سنقتصر هنا على دراسة إجارة الأرض.
وقبل البدء لا بد من توافر شروط لانعقاد الاجارة على المنفعة وهي:
1- أن تقع الاجارة على المنفعة لا على العين
2- أن تكون المننفعة متقومة
3- أن تكون مباحة
4- يمكن استيفاؤها والاستفادة منها, فمثلا لا يمكن استئجار الأعمى للحراسة
5- أن تكون معلومة عينا وصفة وقدرا, بحيث تنتفي عنها صفة الجهالة
أما الشروط التي تتعلق بالأجرة فهي: يجب أن تكون الأجرة معروفة قدرا وصفة,  وقال الفقهاء, بأن كل ما يمكن أن يكون ثمنا للبيع, يمكن أن يكون أجرة في الإجارة, وبذلك يمكن أن تكون الأجرة عينا, أو منفعة.
هذا وتقسم الاجارة إلى نوعين: هما إجارة الأشخاص وإجارة الأرض
وتقسم إجارة الأشخاص بدورها إلى قسمين أيضا, هما الأجير الخاص, والأجير المشترك
الأجير الخاص: ويقصد به من أجر نفسه ليعمل لغيره لمدة معينة, ولا يمكنه شرعا أن يعمل لدى الغير خلال هذه المدة. لكنه يستحق أجرته عن هذه الفترة وإن لم يعمل, لذلك لا بد من تبيان مدة عقد الايجارة ونوع العمل هنا, وكما أسلفنا لا يحق للعامل المستأجر أن يعمل لدى الغير إلا بإذن المؤجر وعلمه, ولو عمل, يقتطع من أجره بقيمة ما عمل لدى الغير, كما أن الأجير الخاص يكون أمين على ما يقع تحت يده, فلا يضمن ما هلك منها إلا في حالة التعدي أو التقصير.
أما الأجير المشترك, فهو الذي يعمل لدى أكثر من جهة, لذلك لا بد هنا من توضيح بيان نوع العمل أولا, ولا ضير من ذكر المدة, وهناك خلاف فيما إذا كان الأجير المشترك ضامنا لما يكون تحت يده, وهناك خلاف بين المذاهب هل يكون ضامن في جميع الحالات أم في حالات التعدي والتقصير فقط, فالحنابلة وبعض الشافعية قالوا بأنه ضامن, أما أبو حنيفة اقتصر على التقصير والتعدي, أما غالب رأي الشافعية أنه يضمن بالتعدي.
أما بالنسبة لأجارة الأرض: فأغلب القول أنها جائزة, لكن هناك بعض القوال التي قالت بعدم جواز إجارة الأرض لتفسيرهم الحديث التالي وحمله على غير موضعه, (من كانت له أرض فليزرعها, فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها إلى أخاه, ولا يؤاجرها إياه.)
ومن الأسباب التي يوردها أصحاب المنع, من أن إجارة الأرض يدخل فيها الغرر والجهالة, فربما تخرج وربما لا, ويقول ابن عباس في ذلك أن النهي المقصود به, أن الشخص إن كان لا يستطيع زراعة أرضه, فليمنحها إلى أخيه لينتفع بها, خيرا له من أن يقوم بتأجيرها إياه لقاء مبلغ معلوم, والبعض قال إن إجارة الأرض هي تماما كالربا, لأنها تأجير لرأس المال بفائدة معينة, فلا فرق بين الفائدة على مبلغ معين من المال يتم إقراضه للغير, وبين شخص يقوم بشراء قطعة أرض ويقوم بتأجيرها للغير بأجرة معينة, ينالها في جميع الأحوال, سواء أخرجت الأرض لم تخرج, ما يرد به على هذا القول, إن الأرض تمثل عمل مخزون فيها, والفرق هنا تماما كالفرق بين البيع والربا, وليس صحيح بأن صاحب الأرض يأخذ أجرته في جميع الأحوال, فعند الخسارة تسقط الأجرة عند الحنفية والحنابلة.

ثانيا: الجعالة:
هي ما يقدم لشخص ما نظير قيامه بعمل ما, على أن يكون العوض والعمل كلاهما معلوم. وللجعالة أركان أربع:
1- الصيغة: هي كل لفظ دال على الإذن في العمل بعوض معلوم, سواء كان هذا الإذن عام أو خاص, ويشترط في الصيغة عدم التقيد بفترة زمنية معينة.
2- العاقدان: الجاعل الذي يلتزم بأداء الجعالة, والعامل الذي يستحق الجعالة.
3- العمل: على أن يكون له مشقة وتكلفة.
4- الجعل: ويشترط فيه أن يكون معلوم جنسا وقدرا, متقوما وحلالا ومقدور على تسليمه, وفي الحالات التي تستوجب عوض البدل أو المثل, فتحسب الأجرة على أساس العمل وقت الإنجاز وليس وقت تسليم الجعالة.
هناك بعض الأحكام التي تختص بالجعالة, نذكر منها:
1- يجوز للجاعل أن يزيد أو ينقص من الجعل قبل الفراغ من العمل, إذا علم العامل بذلك فإنه يستحق الجعالة الجديدة, وإذا لم يعلم فإنه يستحق أجر المثل.
2- يجوز لكلا الطرفين فسخ العقد قبل اتمام العمل.
3- يد العامل على ما وقع فيها إلى أن يرده إلى المالك يد أماالإجارة في الأمور التالينة, فلا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير, ولو تلف المردود قبل وصوله إلى مالكه دون سبب من المالك فإن العامل هنا لا يستحق الجعل, أما إذا كان التلف من مسؤولية المالك فإنه يستحق الجعل,
هذا وتختلف الجعالة عن الإجارة في الأمور التالية:
1- صحة الجعالة على عمل مجهول
2- صحة الجعالة على عامل غير محدد
3- العامل لا يستحق الجعل إلا بعد إتمام العمل
4- لا يشترط في الجعالة تلفظ العامل بالقبول
5- يشترط فيها عدم التأقيت بفترة زمنية محددة
6- في بعض الحالات يمكن أن يكون العوض مجهول, مثلا من رد ضالتي فله ثلثها
7- الجعالة عقد غير ملزم
8- في حال الفسخ يسقط كل الحق في الجعل قبل إتمام العمل

ثالثا: الاستصناع
هو عقد بيع شرط فيه العمل, وهو يتميز عن البيع المطلق بأمرين أساسيين: إثبات خيار الرؤية فيه مطلقا, ويشترط فيه العمل.
وإن كان هو عبارة عن بيع معدوم, لكن بالقياس يجاز, حيث أن الرسول اصطنع خاتما من ذهب.
وشرع لحاجة الناس إليه, لأن هناك سلع خاصة يتطلب فيها شروط ومواصفات خاصة, قد لا تتوافر بذاتها جاهزة في السوق, مما يوجب تصنيعها.
وهو من العقود الغير ملزمة, وهناك خلاف في موضوع قبول قبول المصنوع من قبل المستصنع, فإذا جاء الصانع بالمصنوع فإن للمستصنع بقبول أو رفض المصنوع, لأنه اشتر شيء لم  يره, بخلاف الصانع, طبعا حق المستصنع يزول إذا كان المصنوع حسب الاتفاق والمواصفات المحددة.
هذا ويشترط لجواز الاستصناع الشروط التالية:
1- بيان جنس المصنوع زصفته ومقداره ونوعه
2- أن يكون مما جرى فيه التعامل بين الناس
3- عدم تحديد الأجل, لأن تحديد الأجل يحوله إلى عقد سلم.


الفصل الخامس: الربح في الاقتصاد الاسلامي والنظم الاقتصادية المعاصرة
المبحث الأول: نظريات الربح في النظم الاقتصادية
المبحث الثاني: استحقاق الربح في الاقتصاد الاسلامي
المبحث الثالث: العقود المنظمة للربح في الاقتصاد الاسلامي

المبحث الأول: نظريات توزيع الربح في النظم الاقتصادية:
يرى الاقتصاديون بأن الربح هو العائد على التنظيم, لكنهم لم يتفقوا على ماهية التنظيم, فمنهم من قال: أن التنظيم هو الجهد المبذول في التأليف بين عناصر الانتاج, والبعض يرى أنه تحمل المخاطرة, والبعض الآخر يرى أنه هو التجديد والابتكار, لذلك اختلفت النظريات التي تناولت موضوع الربح وتحديد من يستحقه من المنظمين ومن غيرهم, ومن هذه النظريات نذكر:
أولا: نظرية الريع: تقول هذه النظرية أن اختلاف المنظمين في الكفاية - أو الكفاءة - هو منشأ الربح, فالمنظمون الأكفاء يستحقون ربح نظير كفائتهم الزائدة عن كفاية نظرائهم العاديين - أو الحديين - الذين لا يستحقون ربح, بل يستحقون أجرا لقاء خدماتهم الادارية.
الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية, أنه من الخطأ تشبيه الربح بالريع, لأن الربح يمكن أن يكون موجب أو سالب, بينما الريع لا يمكن أن يكون إلا موجب أو مساويا للصفر, النقطة الأخرى, أن الربح قد ينتج عن عوامل أخرى لا يكون للمنظم أي دور فيها, كالارتفاع المفاجئ للأسعار بسبب الحروب أو الكوارث مثلا.
ثانيا: نظرية المخاطرة: تربط هذه النظرية بين درجة المخاطرة والأرباح, فكلما زادت المخاطرة زادت الأرباح.
الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية: أن هناك عوامل أخرى تحدد الربح غير درجة المخاطرة, كما أن المخاطرة لا تستوجب بالضرورة تحقيق الربح.
ثالثا: نظرية عدم التأكد: طورت هذه النظرية النظرية السابقة من حيث أنها قسمت المخاطرة إلى نوعين, مخاطر - يمكن التنبؤ بها - يمكن تجنبها من خلال التأمين عليها, ومخاطرة - لا يمكن التنبؤ بها - ولا يمكن تجنبها, ومن أمثلتها: المنافسة, الأساليب الفنية للانتاج, تدخلات الحكومة, الدورة الاقتصادية, والربح حسب هذه النظرية يرتبط بالجزء الثاني من المخاطرة التي لا يمكن التنبؤ به.
أهم الانتقادات الموجهة لهذه النظرية: أن الربح لا يرتبط فقط بالمخاطر التي لايمكن التنبؤ بها, فهذا التحمل هو مسوغ للحصول على الربح وليس سبب في الحصول على الربح,كم أن هذه النظرية لم تفصل بين الملكية الادارة, ولم تبين كيف يتحقق الربح في حالة التأكد التام وكمثال عليها حالة الاحتكار المطلق لسلعة معينة.
رابعا: نظرية التجديد: تقول هذه النظرية بأن سبب الربح هو التجديد, أي التجديد في الأساليب الانتاجية, الذي يؤدي إلى تخفيض تكلفة الانتاج, مما يحدث فرق بين تكلفتها الجديدة وسعرها الحالي, هذا التدخل يمكن أن يكون من خلال العملية الانتاجية بتخفيض التكاليف, أو من خلال السوق كخلق طلب على سلع جديدة مثلا, أو خلق طلب جديد من خلال الدعاية والاعلان والتسويق, ترى هذه النظرية بأن الرأسمالي يتحكل المخاطرة لكنه لا يستحق الربح, بينما النظم الذي يقوم بعملية تجديد الأساليب الانتاجية هو من يستحق الربح.
الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية: بأن التجديد ليست الوظيفة الوحيدة للمنظم, كما أنها لا تعترف بأن عملية تجديد الأساليب الانتاجية تحتمل نوع من المخاطرة, لذلك المنظم يتحمل المخاطرة أيضا, وبما أن الربح الناتج عن تجديد أساليب الانتاج ذو طبيعة مؤقتة, فتكون الأرباح بالتالي ذات طبيعة مؤقتة, وهذا غير صحيح, لأن طبيعة الأرباح هي الاستمرارية.
طبيعة العائد - الربح - الذي يحصل عليه المنظم:
البعض يقول بأن هذا العائد هو عبارة عن عائد وظيفي, والبعض الآخر يقول بأن هذا العائد هو عائد متبقي.
وظيفي, أي يحصل عليه المنظم بسبب وظيفته التنظيمية وتحمله المخاطرة وتجديده أساليب الانتاج, بينما العائد المتبقي تنظر إلى الربح على أن المتبقي بعد تغطية كافة المصروفات التي تحلمتها العملية الانتاجية سواء كانت تكاليف مباشرة أم غير مباشرة, ومن هنا فإن الربح يذهب إلى أشخاص لم يقوموا بالعملية الانتاجية بسبب انفصال الملكية عن الادارة.
وما يميز الربح عن بقية عوائد عوامل الانتاج, بأنه غير محدد, أو غير معلوم القيمة, بخلاف الأجر والريع والفائدة, كمان أن الربح ينطوي على عنصر المخاطرة, وعدم التأكد.

المبحث الثاني: استحقاق الربح في الاقتصاد الاسلامي:
أولا: أسباب استحقاق الربح في النظام الاقتصادي الاسلامي:
حسب الاقتصاد الاسلامي, فإن الربح يتحقق بسبب, المال, أو العمل, أو الضمان على خلاف بين العلماء.
ذهب الشافعية والمالكية على أن الربح يستحق بسبب المال والعمل, بشرط أن يكون الربح ناتج عن تصرف العامل, المنظم, وليس ناتج عن أسباب خارجبية, وهذه الفكرة موجودة في الاقتصاد التقليدي, حيث تستبعد الأرباح غير التقليدية من الحسابات, قبل التوصل إلى صافي الربح الناتج عن العمليات الأساسية للمشروع, ويرى الشافعية, بأن الربح ليس له زمن معلوم, فالمضاربة لها مدة زمنية تقديرية كافية الانجاز العمليات التجارية بما يحقق الربح.
أما الحنفية والحنابلة, يقولون بأن الربح يستحق بالمال والعمل والضمان, فاستحقاق الربح بالمال بين, لأن الربح هونماء لرأس المال, فيكون لمالكه, وأما بالعمل, فالشريك يستحق جزء من الربح في حالة المشاركة, أما الضمان, فإذا أصبح المال مضمونا على المضارب, فهو يستحق جميع الربح, مثال: لو أن شخص التزم بعمل معين, ثم قام بتقديم العمل إلى شخص آخر لينجزه بسعر أقل, طاب أو استحق الفرق للشخص الأول الذي التزم بالعمل على قدر معين, وبالمقابل إذا جاء شخص وقال لآخر تصرف بملكك بهذه الطريقة أو تلك, لا يستحق أي شيء من الربح, لأنه لم يقدم لا مال ولاعمل ولاضمان.
وفي حالة الربح الناتج عن العمل, وكان هناك مشاركة, مثل شركة الأبدان, يكون تقسيم الربح هنا حسب الاتفاق, إما بالتساوي أو بالتفاضل بينهما, لأن العمل المتفاضل يؤدي إلى ربح متفاضل بين الشركاء.
يستحق الربح عن طريق المال والعمل باتفاق أئمة المذاهب, لكن هناك رأي عند بعض الحنفية بأن الربح يستحق فقط بالمال ولييس بالعمل, لأن الربح هو زيادة للمال, أما فيما يخص استحقاق الربح بسبب الضمان,  فقال بذلك الحنفية والحنابلة, أم الشافعية والمالكية لم يقولوا بذلك, ولكن الضمان عند الحنفية والحنابلة ليس سببا مستقلا لحصوله على الربح, فهو إما يتبع المال أو يتبع العمل.

ثانيا: أثر المخاطرة في استحقاق الربح في النظام الاقتصادي الاسلامي:
بعض النظريات الاقتصادية التقليدية, تربط الربح بالمخاطرة, لكن في الاقتصاد الاسلامي الامر مختلف, فكلا الطرفين يتحمل مخاطرة, سواء كان صاحب رأس المال أو العامل, والظاهر أن المخاطرة تستوجب الربح في الاسلام, لكن بشروط, أن تكون مقرونة بالمال أو العمل, وأن تكون في الأمور المباحة, فتحريم القمار مثلا ليس بسبب المخاطرة, إنما عدم انتاجية هذا النوع من المعاملات, ونفس العلة في الاحتكار, والربا, لذلك المخاطرة بحد ذاتها ليست مسوغا مستقلا للحصول على الربح في الاسلام

ثالثا: زمان استحقاق الربح
العامل في عقد المضاربة لا يستحق شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى صاحبه, والبرح هو المبلغ الفائض عن رأس المال, وهناك بعض الأمور يبتم خصمها من الربح الاجمالي قبل الوصول إلى الربح الصافي, منها مثلا, ما هلك بيد المضارب دون تقصير منه, والتكاليف التي تتطلبها التجارة, وبالمقابل لو قام العامل بأعمال لا يتطلبها العقد أو العرف, فإنه لايستحق عليها أجرة أو عائد, وهناك خلاف بالنسبة لنفقات العامل على نفسه, هل تخصم من مال الشركة أم من ماله الخاص, وغالب القول إذا كانت هذه المصاريف بما تقضيها طبيعة العمل والتجارة والعرف والعادة, تخصم من مال الشركة.
وبناء على ماسبق, الربح الذي يحصل عليه العامل المنظم, قد يكون عائدا وظيفيا بسبب مشاركته في العملية الانتاجية التي ينجم عنها نوع من المخاطرة, وقد يكون عائد متبقي, لأن العامل لايستحق الربح إلا بعد خصم التكاليف والنفقات وتسليم رأس المال إلى صاحبه, ومن ثم يقسم الربح المتبقي بينه وبين صاحب المال بالشروط التي اتفقوا عليها.

المبحث الثالث: العقود المنظمة للربح في الاقتصاد الاسلامي:
1- شركة العنان
2- شركة الوجوه
3- شركة الأعمال
4- شركة المفاوضة
5- المضاربة - القراض -
6- المزارعة
7- المساقاة

أولا - شركة العنان:
هي أن يشترك اثنان بمالهما, ليعملا ببدنهما, على أن يكون الربح لهما, تصرف كل واحد منهما يكون بمثابة الملك في نصيبه, والوكالة في نصيب شريكه.
هناك بعض الشروط العامة لابدم من توافرها في جميع الشركات, ومنها أهلية الوكالة, أي أن يكون كل واحد منهما أهلا لينوب عن صاحبه في جميع التصرفات من بيع وشراء, ثانيا لا بد من أن يكون الربح معلوم القدر, أي تحديد آلية توزيع الأرباح بين الشركاء, لأنه بدون هذه المعرفة يكون العقد باطل لجهالة الربح, ثالثا لابد أن تكون حصة الشركاء في الربح شائعة على كامل قيمة الأرباح, فلا يجوز مثلا أن يخصص أحد الشركاء بجزء معين من الأرباح, ثم يقسم الباقي من الربح من جديد على الشركاء, هذه الشروط عامة بالنسبة لجميع الشركات, لكن هناك بعض الشروط الخاصة بالنسبة لشركة العنان وهي:
1- أن يكون رأس المال فيها من الأثمان: أي من الدراهم والدنانير, وقال مالك بأنه يجوز أن يكون رأس المال من العروض, وهو كل مال من غير الذهب والفضة, أما الشافعية ففرقوا في العروض بين المثلي والمتقوم, فأجوزها بالنسبة للنوع الأول المثلي, ومنعوا النوع الثاني المتقوم, لأنها تؤدي إلى جهالة الربح عند التقسيم, حيث أن رأس المال يكون قيمة العروض لا عينها, مما يجعلها مجهولة القيمة, حيث أن هذه القيمة يدخل فيها التقييم والتقدير.
2- خلط المالين: اشترط ذلك فقط الشافعية, أما الامام مالك اشترط الاشتراك بالتصرف بالمال.
3- أن يكون رأس المال عينا حاضرا, ولا يجوز أن يكون دينا أو مالا غائبا.
4- الربح والخسارة واقتسامهما: قال الحنفية باستثناء زفر, أن شركة العنان تصح مع التفاضل في رأس المال والربح, وتصح مع التساوي في رأس المال والتفاضل في الربح, وتصح مع التفاضل في رأس المال والتساوي في الربح, وتصح عند عمل أحد الشركاء دون الآخر, وتصح مع زيادة الربح للعامل عند عمل الشركاء. ووافقهم على ذلك الحنابلة.
أما المالكية والشافعية وزفر من الحنفية, قالوا بأن الربح في شركة العنان يكون تابع لرأس المال, ولا يقبلون التفاضل بين الشركاء في حصص رأس المال وحصص الأرباح الموزعة, إلا ان المالكية اشترطوا أن يكون العمل بمقدار المال, أي الحصة في رأس المال, كما ان الشافعية لهم قول في حالة أن أحد الشركاء كان له عمل أكبر من حصته في رأس المال, البعض منهم يجيز هذا الشرط في التفاضل بين الحصص في رأس المال وحصص الارباح والخسائر, لكن الغالبية منهم ترفض هذا التفاضل, ويرون أن الأصل توزيع الربح حسب نسبة المساهمة في رأس المال.

ثانيا - شركة الوجوه:
تعريفها: يشترك وجيهان عند الناس, ليبتاع كل منهما بمؤجل, على أن يكون المبتاع لهما, فإذا باعا, كان الفاضل عن الأثمان المبتاع بها بينهما.
سمين بشركة الوجوه, لأن الناس لا يبيعون بالأجل إلا لأشخاص معروفين, وهناك ثقة بالدفع مستقبلا.
هذا النوع من الشركات جائز عند الحنفية والحنابلة, وغير جائز عند الشافعية والمالكية, إلا أن المالكية اجازوا شكلا واحدا من هذه الشركة, وهو في حالة التساوي في تحمل المسؤوليات, أما فيما يخص توزيع الربح, قال الحنفية وبعض الحنابلة ان توزيع الربح يكون حسب نسبة ضمان الشريكين للثمن, وضمان الثمن يكون حسب نسبة ما يشتريانه معا أو على انفراد, لذلك لا يصح أن يشترط أحد الشريكين ربحا أكثر أو أقل مما عليه الضمان لأن سبب استحقاق الربح عندهم هو الضمان, أما الحنابلة قالوا بتزويع الربح حسب الاتفاق ولو كان هناك تفاضل بين توزيع الربح والضمان, لأنهم يرون أن الربح في سائر الشركات يكون من خلال ما يتفق عليه الشركاء, فهم يرون أن الربح ينشأمن خلال الضمان ومن خلال العمل أيضا, حيث أن هذا العمل متفاضل بين الشركاء, حسب الخبرة والمهارة

ثالثا- شركة الأعمال:
تعريفها: أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم, وهي تسمى أيضا شركة الأبدان, أو شركة الصنائع, أو شركة التقبل لأن كل واحد من الشركاء يلتزم بما يلتزم به الآخر.
وهي جائزة عند جميع المذاهب.
إذا كانت شركة الأعمال شركة مفاوضة, عندها يشترط أهلية الوكالة, لأنه في حالة شركة الأعمال كانت مفاوضة أو عنان, فإن ما يقبله أحد الشركاء يكون ملزما للآخر.
أما فيما يخص توزيع الأرباح فيها, فإنه يكون على أساس ضمان العمل وليس العمل فعلا, لأن أحد الشركاء قد يعمل والآخر لا يعمل, لكنه يستحق ربح لأنه ضامن للعمل إن لم يقم به الشريك الأول, ويجوز في هذه الشركة التفاضل للربح إن كان هناك تفاضل في ضمان العمل, وهذا ما قالت به الحنفية, أما المالكية قالوا بتوزيع الأرباح حسب نسبة العمل الحقيقي, لكن يتفق الحنفية والمالكية في عدم جواز تفاضل الربح في حالة تساوي العمل.

رابعا - شركة المفاوضة:
هي أن يشترك اثنان أو أكثر في عمل على أن يكونا متساويين تصرفا ودينا ومالا وربحا, بحيث يصبح كل واحد منهما وكيلا عن الآخر.
هي جائزة عن الحنابلة وباطلة عند الشافعية, لكن الشافعية أجازوها إذا كان المقصود بها شركة العنان, كما أن المالكية أجازها أيضا.
يشترط الحنفية في هذه الشركة تساوي رأس المال, أما المالكية لا يشترطون ذلك.
قسم الحنابلة شركة المفاوضة لقسمين, الأول يشترك العاقدان في جميع أنواع الشركة, فيجمعان بين شركة العنان والوجوه والأبدان, الثاني أن يدخل الشركاء بينهما الاشتراك فيما يصيب الآخر من ميراث وضمان وغيره, وهذا الشكل غير جائز لوقوع الغرر فيه.
ذكر الحنفية شروط خاصة لصحة هذه الشركة منها:
1- أهلية الكفالة
2- المساواة في رأس المال
3- أن لا يمون لأحد المتفاوضين ما تصح به الشركة ولا يدخل في الشركة
4- المساواة في الربح حيث أن التفاضل في الربح يبطل الشركة
5- العموم في المفاوضة, فلا يجوز أن يختص أحد الشركاء بنوع من التجارة دون الآخر
6- يشترط أن يكون العاقدين مسلمين, فهي لا تجوز مع الذمي أو الكافر
7- يشترط لفظ المفاوضة فيها, لأنه إذا فقد شرط المفاوضة أصبحت شركة عنان

خامسا - شركة المضاربة ( القراض):
تعريفها: هي أن يدفع المالك ( صاحب المال ) إلى العامل مالا لتجر فيه, ويكون الربح بينهما بحسب الاتفاق.
وهي جائزة عن جميع المذاهب.
والمضاربة نوعان, مطلقة ومقيدة, مطلقة فهي غير مقيدة بفترة معينة ولا بنوع عمل معين ولا بمكان معين, أما المقيدة فيكون التصرف بالمال حسب قيود وضعها صاحب المال.
وهناك شروط لصحة المضاربة, وهي تقسم إلى 3 أقسام, شروط في العاقدين, وشروط في رأس المال, وشروط في الربح.
فشروط العاقدين, أن يكونا من أهل التوكيل, ولا يشترط كونهما مسلمين, وأما شروط رأس المال, أن يكون من الدراهم والدنانير, ولا يجوز أن يكون من العروض أو عقار أو منقول, كما يجب أن يكون معلوم المقدار, حيث أن جهالته تفسد المضاربة, كما ينبغي أن يكون رأس المال عينا لا دينا, كما يشترط أن يؤدى رأس المال إلى العامل, لكي يتمكن من العمل فيه, ولا تصح المضاربة مع بقاء يد صاحب المال على المال, أما شروط الربح, أن يكون معلوم القدر, وأن يكون جزءا مشاعا بين الشركاء, إلا أن المالكية أجازو أن يكون للعامل جزء محدد من الربح يشرط الاتفاق عليه حال العقد, هناك اتفاق بين الفقهاء على عدم جواز اشتراط أحد الشركاء لنفسه مبلغ معين من المال من الربح, لأنه هنا ينتفي مبدأ المشاركة في الربح, ونلاحظ في مثل هذه الحالة, إذا اشترط أن يذهب جميع الربح إلى المضارب أو صاحب المال أو جهة ثالثة الاحتمالات الثلاثة التالية:
الحالة الأولى, شرط أن يكون كل الربح للمضارب, الحنفية والحنابلة قالوا إن المال في مثل هذه الحالة يصبح قرضا يضمنه المضارب, الضمان يجيز له الحصول على جميع هذا الربح, أما المالكية قالوا بجواز أن يكون كل الربح للعامل أو صاحب رأس المال أو لطرف آخر, لكن يخرج العقد عن كونه قراض إلى كونه هبة, ويضمن العامل مال القراض في مثل هذه الحالة, لأنه في مثل هذه الحالة ينتقل المال من الأمانة إلى الذمة, إلا إذا نفاه عن نفسه بقوله لا ضمان علي أو قالها له صاحب المال, أو إذا سماه قراضا هو أو صاحب المال فكذلك يسقط شرط الضمان عن العامل, حيث أن شرط الضمان في مثل هذه الحالة يجعل العقد فاسدا.
الحالة الثانية: لو شرط جميع الربح لرب المال, قال الحنفية بجواز ذلك, لأنه ينتقل من كونه مضاربة إلى كونه إبضاع, أما مالك فقال إنه جائز لكن يتحول من القراض للهبة, بمعنى أن العامل يتنازل عن حقه لصاحب المال, أما الحنابلة فرقوا بين حالتين, فاذا كان كل الربح للعامل, فيكون العقد هنا قرضا, بشرط أن لا يذكر لفظ المضاربة, أما إذا ذكر لفظ المضاربة, كان العقد باطلا, لأن المضاربة تقتضي المشاركة في الربح,
الحالة الثالثة: وهي اشتراط أن يكون الربح للعامل وصاحب المال ولشخص ثالث أجنبي, يجوز, بشرط أن يشرط عليه العمل, لأن الربح لا يستحق من غير عمل ولا مال في حالة المضاربة, أما المالكية أجازوا ذلك على اعتبار أنها هبة.
ويجب النويه هنا أن الخسارة أو الوضيعة (النقص في رأس المال) يتحملها صاحب المال فقط.

سادسا - المزارعة:
تعريفها: هي تقديم الأرض لمن يعمل بها, وحاصل الزرع يكون بينهما.
مشروعيتها: هي جائزة عند الحنفية والحنابلة والمالكية, وجائزة عند الشافعية إذا كانت تبعا للمساقاة
شروطها:
1- أهلية المتعاقدين
2- أن تكون الأرض صالحة للزراعة
3- أن تكون مدة الزراعة ملومة, الحنفية قالو بجواز المزارعة بدو تحديد المدة
4- أن يكون الناتج مشاع بين الشريكين
5- التخلية بين الأرض والعامل, أي أن يمعل بحرية
6- بيان من عليه البذر منعا للمنازعة
7- أن يتحدد جنس البذار لأنه هو الذي يحدد الناتج من عملية الزراعة.
الخارج من الأرض يتم توزيع بينهما حسب الاتفاق, وإن لم تخرج فلا شيء للعامل.
الربح في المزارعة: تنطبق عليه الشروط العامة وهي: وجوب تقديره, ومعلوميته, وكونه جزء شائع بينهما, يجوز التفاضل بينهما.

سابعا - المساقاة:
تعريفها: هي أن يدفع صاحب الشجر الشجر لأخر ليقوم بسقايته ورعايته, مقابل جزء معلوم من الثمر.
وهي جائزة عند جميع المذاهب
شروطها: أن تكون الحصص معلومة ومتفق عليها, على أن يكون الشجر من الشجر المثمر.
الربح, يعامل كالمزارعة


الفصل السادس: الربا والفائدة في النظم الاقتصادية
المبحث الأول: نظريات الفائدة في الفكر الاقتصادي المعاصر
المبحث الثاني: أنواع الربا في الاقتصاد الاسلامي
المبحث الثالث: شبهات وردود حول إباحة الربا
المبحث الرابع: آثار الربا الاقتصادية

المبحث الأول: نظريات الفائدة في الفكر الاقتصادي المعاصر
هناك جدل كبير حول الفائدة ومسوغاتها وتحديد سعرها, وظهرت العديد من النظريات التي حاولت تبرير الفائدة من منطلقين أساسين, الأول نظريات كانت تبحث في مسوغات أخذ الفائدة على رأس المال, الثاني نظريات حاولت تحديد سعر الفائدة من خلال عوامل متعددة كالعرض والطلب على النقود. وسنتطرق في هذا المبحث إلى نقطتين اساسيتين, هما التطور التاريخي للفائدة, وأهم النظريات التي سوغت الفائدة.
أولا: التطور التاريخي للفائدة والربا في الفكر الاقتصادي:
في العصور الوسطى كان هناك استقرار على أن الربا هي نفسها الفائدة, بناء على نصوص من التوراة والأنجيل, لكن بعد بداية الثورة الاقتصادية في أوروبا, ظهرت بعض الآراء أباحت أخذ الفائدة استنادا إلى القانون الروماني الذي كان يبيحها, وتم تحديد أسعار الفائدة, إلى أن أصبحت سيئا اعتياديا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر, وظهرت بعض الأفكار في الكنيسة تسمح بأخذ الربا, بحجة ضياع فرصة الكسب, وحجة المخاطرة, وجاء الفصل بين كلمتي الفائدة والربا في العصور الوسطى, حيث أن الفائدة كانت مبررة إذا لحق بالدائن ضرر في حالة لم يقم المدين بتسديد القرض في نهاية مدة القرض, أما الربا في الزيادة على المبلغ المقترض, لذلك كانت لفظ الفائدة ألطف وأكثر قبولا من قبل العامة, وأصبحت هي الكلمة الدارجة في أوروبا, وانتقلت هذه اللفظة إلى الدول الاسلامية خلال الحقبة الاستعمارية, كمسوغ لأخذ الفائدة.
ثانيا: أهم النظريات التي سوغت الفائدة:
1- نظرية الحرمان: يرى أصحاب هذه النظرية بأن عناصر الانتاج هي العمل, والمصادر الطبيعية, والحرمان, فكمان أن العامل يحق له أن يأخذ أجر مقابل الألم الذي تحمله نتيجة العمل, فإن صاحب المال يحق له أن يحصل على عائد نتيجة التضحية التي قدمها بتقديمه للمال, فصاحب هذا المال حرم نفسه من الاستمتاع بهذا المال ( سواء كان ذلك استهلاكا أم ادخارا) الآن إلى الاستمتاع به مستقبلا, حيث أن هذا الحرمان هو ما يستحق الفائدة, لكن غالبا من يقوم بإقراض الأموال هم الأغنياء, وهم في وفرة من المال بحيث لا يتحقق معه هذا الحرمان, لذلك تم استبدال لفظة الحرمان بلفظةالانتظار, أي أن الفائدة تعويض للانتظار.
2- نظرية المخاطرة: يرى أصحاب هذه النظرية أن صاحب رأس المال يتعرض لمخاطرة فقدان رأس ماله ( كله أو جزء منه) نتيجة هذا الاقراض, فهو بذلك يستحق هذه الفائدة ليؤمن نفسه ضد هذه المخاطرة.
3- نظرية العلاوة أو الخصم: تقول هذه النظرية بأن مبرر الفائدة, استبدال استهلاك آني باستهلاك مستقبلي, فالفائدة هي الفرق بين قيمة النقد الحالي وقيمة النقد المستقبلي.
4- نظرية التفضيل الزمني: تبرر الفائدة بالقول بأن الدائن يجب أن يحصل على الفائدة التي تعوض حرمانه من التصرف الآني بماله, واستفادة المقترض من عنصر الوقت, والانتقاد هنا أنه لا يوجد ما يضمن أن القيمة المستقبلية للنقود هي أدنى من القيمة الحالية, كما أن هذا التبرير ينطلق من نظرية القيمة وليس من نظرية التوزيع, وانطلاقا من نظرية القيمة فإن رأس المال ليس هو العنصر الوحيد من عناصر الانتاج التي تتأثر سلبا بالزمن, فالعمل الحالي أيضا قيمته أكبر من العمل المستقبلي, ومن نفس المنطلق فهو يستحق تعويض إضافي علاوة على الأجر, فالنوقد بحد ذاتها ليست عنصر إنتاج وبالتالي فهي لا تستحق عائد.
5- نظرية تفضيل السيولة: يقصد بالسيولة الحفاظ على الثروة على شكل نقود بدلا من الحفاظ عليها بشكل رأس مال ثابت أو أصول مالية كالأسهم والسندات مثلا, فعملية الاقراض تقتضي بالتخلي عن هذه السيولة لفترة من الزمن, والتخلي عن هذه السيولة لابد وأن يكون له تعويض, وهو الفائدة, حيث أن كينز قال بأن الناس يفضلون الاحتفاظ بالسيولة النقدية عن الاستثمار وذلك للدوافع الثلاثة المعروفة, وهي دافع المعاملات ودافع الاحتياط ودافع المضاربة.
6- نظرية التعويض عن التضخم: وتقول بأن مبرر الفائدة بان القوة الشرائية للنقود في المستقبل, أقل من القوة الشرائية للنقود في الفترة الحالية, وهذا الانخفاض في القوة الشرائية يبرر الفائدة.
من خلال النظريات السابقة, يمكننا أن نستنتج بأن ندرة رأس المال هي المبرر الأساسي للفائدة, فإذا كان رأس المال متوفر بكثرة, انتفت الحاجة للاقتراض وبالتالي تنتفي الحاجة للفائدة, فالنظريات السابقة تلتقي في نقطتين, الأولى: الادخار يتطلب تأجيل الاستهلاك الحاضر, وهذه التضحية أو الحرمان أو الانتظار يبرر الفائدة, ثانيا: في القرض يتخلى الشخص عن السيولة, والتخلي عن السيولة لا بد له من عائد. إذا فالفائدة هي ثمن للنقود, مقابل التضحية, الانتظار, الادخار, عدم الاكتناز.
أما في الاسلام, فينظر إلى رأس المال بأنه عنصر منتج, وله نصيب من العملية الانتاجية يحدده الربح, وهو ليس ثابت, بل متغير بتغير الظروف والاحوال في العملية الانتاجية.

المبحث الثاني: أنواع الربا في الاقتصاد الاسلامي:
الربا هي الزيادة من غير عوض, وليس كل زيادة على أصل المال هو ربا, لأن الزيادة غير المشروطة تكون جائزة, كل الشرائع السماوية, وحتى غير السماوية حرمت الربا, ما التحليل في اليهودية إلا تحريف للتوراة, وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحية, حيث ظهر بعض التفصيل في تحريم ربا الاستهلاك وإجازة ربا الانتاج أو الاستثمار, لكن في عام 1879 بعد الثورة الفرنسية, أجازت التعامل بالربا, ولكن ضمن حدود القانون. في الشريعة الاسلامية الربا حرام, ويمكن التمييز بين نوعين من الربا, ربا البيوع وربا القروض, كما أن ربا البيوع ينقسم بدوره إلى ربا الفضل وربا النسيئة, وزاد الشافعية نوع ثالث من الربا وهو ربا اليد, أي البيع مع تأخير قبض العوضين, أو قبض أحدهما من غير ذكر الأجل.
أولا: ربا الفضل: هو الزيادة في أحد العوضين في متحد الجنس, وذلك حسب رأي الشافعية. وذكر الحديث الشريف 6 أنواع من الأصناف أو الأجناس التي تدخل في هذا الربا, وهي: الذهب, والفضة, والبر, والشعير, والتمر, والملح, وهناك خلاف هل فقط هذه الأصناف التي تدخل في الحديث, أم انها ذكرت على سبيل المثال لا الحصر.ويشترط هنا المثلية الكمية والمثلية النوعية والآنية في التعامل.
ثانيا: ربا النسيئة: (القرض): يمكن تعريفه أيضا بأنه الزيادة على رأس المال, فإن شرطت فهي حرام, وإن لم تشرط فهي حلال,
فربا القرض, هوالقرض المؤجل بزيادة مشروطة,
أو يحصل المقرض على عائد دوري معلوم وثابت, وفي نهاية مدة القرض يحصل على رأس ماله كاملا, وعلى فرض لم يستطع المدين الوفاء بالدين, يعطى مدة إضافية على أن يسدد مبلغ زائد عن رأس المال. يقصد بالنسيئة التأخير.
فيؤخذ زيادة مقابل الأجل أيا كان سبب الدين, بيع أو قرض. وله تسميات عديدة: ربا النسيئة, ربا القرض, ربا الجاهليةو وربا القرآن.
بالاضافة إلى ربا الفضل, وربا النسيئة, بعض الفقهاء أضاف ربا البيوع التي تشمل البيوع الربوية والقروض الربوية.

المبحث الثالث: شبهات وردود حول إباحة الربا
سنناقش في هذا المبحث نقطتين أساسيتين, الأولى: إباحة الربا في القروض الانتاجية, الثانية: إباحة القليل من الربا.
الشبهة الأولى: جواز الربا في القرض الانتاجي دون الاستهلاكي:
يقول البعض إن طبيعة القروض اليوم تختلف عن طبيعة القروض في الماضي, حيث أن القروض في الماضي كانت عبارة عن قروض استهلاكية, وهي تستغل حاجة الناس نتيجة ظروف معينة, أم اليوم فإن الوضع قد تغير, وأصبح المقترضين هم عبارة عن شركات وأشخاص, وهم فئة ليست ضعيفة اجتماعية, كما أنهم يستخدمون هذه الأموال في عمليات انتاجية, أي أنها سوف تولد دخل يجب أن يشارك فيه المقرض, نتيجة هذا التغير في الظروف نحن أما حلين, إما أن تتولى الدولة عملية إقراض المستثمرين, أو أن يتم السماح بالاقراض بالفائدة, من باب تحقيق المصلحة العامة.
الرد على هذا الاتجاه, أنه ليس هناك أي دليل على أن الاقراض في الماضي كان عبارة عن إقراض استهلاكي فقط, بل نلاحظ أن هناك العديد من المعاملات التي يتم فيها الاقراض للأغراض الانتاجية, ولولا ذلك لما حرم ربا البيوع, وهناك أدلة كثيرة على هذه القروض الانتاجية في ماقبل الاسلام, وفي صدر الاسلام, ويفيد أن نذكر هنا, أن مال اليتيم مثلا, كان الرسول يطلب تنميت من خلال التجارة وليس من خلال الاقراض بفائدة لتنميته, حيث أن الحاجة موجودة هنا وغير منتفية, أما أن الحاجة تقتضي التداول بالربا فيما يخص القروض الانتاجية, فلم تصل بعد الحاجة إلى الفائد على الفروض الانتاجية مرحلة الحاجة الملحة التي لا تستقر الحياة ولا تستمر إلا بها, وإن كانت, فهي ستكون في حالات فردية, وليس على مستوى المجتمع ككل, أما أن الاستغلال هو علة الربا, فهذا أيضا غير صحيح, إنما الاستغلال حكمة أو نتيجة من نتائج الربا, والحكمة لا تستوجب التحريم كالعلة.

الشبهة الثانية: إباحة الربا القليل: يقول البعض إن الله سبحانه وتعالي قد حرم الربا المضاعف, وأجاز الربا القليل من خلال الآية الكريمة: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلو الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون, يمكن الرد على هذا القول من خلال 3 وجوه.
الوجه الأول: انطلق القائلين بهذا القول من مفهوم المخالفة, وهو إثبات نقيض الحكم المسكوت عنه, فهنا تم ذكر الربا المضاعف أضعاف كثيرة, دون الربا القليل, والعلة في ذلك أن القرآن كان يريد أن يصف ويبشع الوضع الذي كان سائدا في وقتها, تماما كالآية التي تقول: ولا تكرهو فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا, فهل هذا يعني أنهم لو لم يردن تصحنا جاز لهم البغاء, لا, ولكن ذكر ذلك لوصف الحالة التي كانت سائدة وتشنيعها, الوجه الثاني: أن تحريم الربا جاء على مراحل, وهذه الآية ليست هي آخر ما نزل في تحريم الربا, إنما آخر آية كانت, يا أيها الناس اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا, فكان تحريم الربا قليله وكثيره, الوجه الثالث لغوي, حيث أن أضعافا هي صفة الربا, ليست صفة رأس المال, فلو كان الربح الناتج عن القرض ألفا أو آلافا لما تغيرت الربا, لأن الربا كان يؤخذ على الدين.

المبحث الرابع: آثار الربا الاقتصادية
سنناقشه من خلال النقاط الثلاث التالية:
أثر الربا في منع الاستثمار
اثر الربا في زيادة البطالة
أثر الربا في خلق المشكلات الاقتصادية المختلفة

أولا- أثر الربا في منع الاستثمار:
صاحب المال, يجد في الاقراض وسيلة آمنة ومضمونة لتنمية أمواله من غير مخاطرة, فيبتعد عن توظيف أمواله في مجالات انتاجية, خاصة إذا كان العائد منها أقل من معدلات الفائدة السائدة في السوق. وبين كينز أيضا أن ارتفاع معدلات الفائدة يؤدي إلى أثر سلبي على الادخار والاستثمار, فكينز خالف الفكر الكلاسيكي الذي يقول إن ارتفاع معدلات الفائدة تؤدي إلى زيدة الادخار, حيث أن كينز كان يرى أن ارتفاع معدلات الفائدة تجعل الفرد يدخل مبلغ أقل ويحصل على نفس العائد الذي كان يحصل عليه في الفائدة المنخفضة.
ثانيا - أثر الربا في زيادة البطالة: لأن المرابي يميل إلى إقراض الأموال التي بحوزته على أن يقوم بتوظيفها في مشاريع انتاجية, فيقل الطلب على العمالة, حيث أن كينز كان يقول أيضا بضرورة تخفيض معدلات الفائدة للوصول إلى حالة التشغيل الكامل.
ثالثا - أثر الرب في خلق المشكلات الاقتصادية المختلفة, الربا يؤدي إلى الكساد, والتضخم, وضعف التنمية الاجتماعيةو وسوء توزيع الدخل القومي, حيث أن تكلفة القروض, تكون من عناصر التكلفة الانتاجية التي تحمل على السعر, ويتحملها المستهلك النهائي في نهاية المطاف, فالمرابي يحصل على عائده على حساب بقية عناصر الانتاج الأخرى, كما أن الفائدة تؤدي إلى اضطراب في الاقتصاد, ففي المراحل العادية يتم الاقتراض بالسعر الجاري, لكن مع الازدهار الاقتصادي, يزداد الطلب على النقد, مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة, فيقل الربح المتوقع في المشاريع التجارية بسبب ارتفاع التكاليف, كما أن الفائدة تكون عائق في سبيل تحقيق التنمية في البلدان الناميةو حيث أن الحكومات تتكبد الكثير في سبيل دفع خدمة الدين لقروضها السيادية, مما يستهلك جزء مهم من الناتج المحلي الاجمالي لهذه الدول, هم بأمس الحاجة له من المقرضين.

الفصل السابع - التوزيع التوازني في الاقتصاد الاسلامي والنظم الاقتصادية
المبحث الأول: إعادة التوزيع في النظم الاقتصلدية
المبحث الثاني: وسائل التوزيع التوازني في الاقتصاد الاسلامي

المبحث الأول: إعادة التوزيع في النظم الاقتصادية
يمكننا أن نقسم التوزيع إلى, توزيع وظيفي, يبحث في تحديد عوائد عوامل الانتاج, وتوزيع شخصي يبحث في تحديد ملكية عوامل الانتاج,وسندرس في هذا المبحث نقطتين أساسيتين هما, إعادة التوزيع في النظام الرأسمالي, وإعادة التوزيع في النظام الاشتراكي.
أولا - إعادة التوزيع في النظام الرأسمالي: يقوم النظام الرأسمالي على أساس الحرية الاقتصادية المطلقة في الانتاج والاستهلاك والتملك, حيث أن هناك علاقة طردية بين تملك وسائل الانتاج والحصة من الدخل القومي, فكلما كنت تملك وسائل انتاج أكثر, فلك نسبة أكبر من الدخل القومي, وهذا بدوره يؤدي إلى التفاوت الطبقي في النظام الرأسمالي, لذلك تلجأ الدولة إلى التدخل في بعض الحالات للتخفيف من حدة التفاوت الطبقي من خلال الوسائل المالية وغير المالية التي تمتلكها, حيث أن الدولة تتدخل في التوزيع من خلال مرحلتين أساسيتين, هما:
مرحلة التوزيع الأولي, ومرحلة التوزيع النهائي, ففي مرحلة التوزيع الأولي,  يتم في هذه الحالة توزيع الناتج بين عناصر الانتاج التي اشتركت في انتاجه, وهنا أيضا يمكن أن تتدخل الدولة بطريقتين, هما, خلق دخول لعوامل الانتاج, سواء كان ذلك من خلال نفقات حقيقية تؤدي إلى زيادة الانتاج القومي بشكل مباشر, أو من خلال النفقات التحويلية التي لا تؤدي إلى زيادة الانتاج القومي بشكل مباشر, إنما تكون من خلال إجراء تعديلات على التوزيع الأولي للدخل.
المرحلة الثانية التي تتدخل فيها الدولة في توزيع الدخل, هي التدخل في تحديد مكافآت عوامل الانتاج, مثل تحديد الحد الأدنى للأجور, تحديد سعر الفائدة, الأرباح الموزعة على الأسهم, تحديد سعر أدنى للمحاصيل الزراعية, وهكذا
مرحلة التوزيع النهائي: هنا تتدخل الدولة بهدف إعادة التوزيع لصاحل جهة على جهة أخرى, ويمكننا هنا لاتمييز بين نوعين أساسين من السياسات التدخلية, هما السياسات المالية, كالتشريعات والضرائب والانفاق العام, والسياسات الاجتماعية, كالإعانات الاجتماعية مثلا.
هناك معايير عدة تستدخم في إعادة التوزيع يمكننا إجمالها بالمعايير الثلاث التالية:
1- معيار الدخل, 2- معيار الثروة, 3- معيار الاستهلاك. حيث أن معيار الدخل هو المعيار الشائع الاستخدام
ولما كان من الصعوبة دراسة وضع كل فرد على حدة لذلك تم وضع بعض الأسس لتجميع الأفراد في مجموعات, ومن ثم تدرس إعادة التوزيع لكل مجموعة من هذه المجموعات, وإن أهم أسس التجميع هي:
1- تقسيم المجتمع إلى فئات اجتماعية تبعا لمستويات الدخل
2- تقسيم المجتمع إلى فئات اجتماعية تبعا لمصادر الدخل
3- تقسيم المجتمع حسب الأنشطة الاقتصادية المختلفة
4- تقسيم المجتمع إلى أقاليم جغرافية
ويقول كينز, إن أفضل الوسائل لإعادة التوزيع, هي الضرائب التصاعدية, المصحوبة بإجراءات اجتماعية كالتأمين الاجتماعي, والخدمات العامة, حيث أن العبء الأكبر من تدخل الدولة سيكون من نصيب أصحاب الدخول الأكبر

ثانيا- إعادة التوزيع في النظام الاشتراكي:
هنا الدولة هي المالكية لعوامل الانتاج, وهي تعمل بناء على أساس التخطيط الشامل, وتكون الأسعار محددة, وكذلك عوائد عوامل الانتاج, فيكون تدخل الدولة في مثل هذه الحالة عن طريق التوزيع الأولي.  حيث أن القاعدة الأساسية للتوزيع في النظام الاشتراكي, من كل حسب عمله, ولكل حسب حاجته, فالدولة بما أنها محتكرة لعوامل الانتاج, فهي التي تحدد الأرباح والأسعار والأجور.

المبحث الثاني: وسائل التوزيع التوازني في الاقتصاد الاسلامي:
يمكننا تقسيمها إلى:
أولا: الوسائل الالزامية وهي:
1- الزكاة
2- صدقة الفطر
3- الارث
4- الأضحية
ثانيا: الوسائل الاختيارية وهي:
1- الصدقات
2- الوصية
ثالثا: الوسائل الاختيارية الالزامية وهي:
1- الكفارات
2- النذر
3- الوقف

الخاتمة - نتائج وتوصيات
1- للاقتصاد الاسلامي هويته الخاصة
2- الاقتصاد ليس حياديا, فهو كما يمكن أن يكون رأسماليا أو اشتراكيا, يمكن أن يكون إسلاميا
3- تصرفات الرسول المالية ملزمة
4- يمكن الاعتماد على الاجتهاد في الأحكام الشرعية إن لم تكن مغطاة بالقرآن والسنة
5- سبب المشكلة الاقتصادية في الاقتصاد الاسلامي سوء الاستخدام والتوزيع, وليس الندرة الاقتصادية
6- يرتبط الاقتصاد الاسلامي بالشريعة والأخلاق
7- الاقتصاد الاسلامي مستقل عن الفقه الاسلامي
8- المصلحة في الاسلام, يحددها المشرع الحكيم, وليس أهواء الناس
9- الاقتصاد الاسلامي يمتلك خاصية الثبات والتطور
10 في النظم الاقتصادية التوزيع تابع للانتاج, أم في الاقتصاد الاسلامي عملية التوزيع مستقلة عن عملية الانتاج, لأنها ثابتة مهما اختلفت وسائل الانتاج.
11- هدف التوزيع في النظام الاسلامي, تحقيق الرفاهية الاقتصادية, والعدالة الاجتماعية
12- التفاوت الطبقي موجود في النظام الاقتصادي الاسلامي, للحد منه هناك وسائل اختيارية, ووسائل الزامية, ووسائل اختيارية الزامية
13- عناصر الانتاج في النظام الرأسمالي هي: رأس المال, والعمل, والأرض, والادارة وعوائدها على الترتيب: الفائدة, الأجر, الريع, الربح, أما النظام الاشتراكي, فإن عنصر الانتاج الوحيد فيه هو العمل, هذا من الناحية النظرية, أما عمليا فهو يماثل النظام الرأسمالي.
14- هناك عدة معايير لتحديد عناصر الانتاج في النظام الاقتصادي الاسلامي, أهمها معيار مساهمة العنصر الانتاجي في العملية الانتاجية, ومن خلال ذلك تكون عناصر الانتاج في النظام الاقتصادي هي:رأس المال, العمل, الأرض
15- في النظم الاقتصادية المعاصرة, كل عنصر من عناصر الانتاج يحصل على عائد واحد فقط, بينما في النظام الرأسمالي, يمكن أن يحصل عنصر الانتاج الواحد على اكثر من عائد. مع التركيز على أن الاقتصادي الاسلامي لا يعترف بالفائدة عائدا لرأس المال.
16- التوزيع في النظام الرأسمالي قائم على أساس العاوضة, أما في النظام الاشتراكي على أساس من كل حسب عمله ولكل حسب حاجته أي على أساس العمل, أما التوزيع في النظام الاسلامي يكون قائم على المعاوضة, والحاجة والقيم الأخلاقية والاجتماعية
17- ظهرت نظرية العرض والطلب عند المفكرين المسلمين قبل الغرب
18- النظريات التي حاولت تحديد الأجور, كلها كانت سلبياتها أكتر من إيجابياتها ومنها نظرية تحديد الأجور حسب العرض والطلب
19- الماوردي هو أول من قال في قضية تحديد الأجور, لتراعي الحالة الاجتماعية للفرد, والأسعار, والتضخم,حيث قال إن إعادة النظر في الأجر يجب أن تكون سنوية لتراعي تغير الظروف
20- عند تحديد الأجور نميز بين نوعين من العمال, العمال العاملين في القطاع الحكومي, هذه الفئة تتحدد أجورها على أساس الكفاية, والعمال لدى القطاع الخاص, يتحدد أجرها حسب تفاعل قوى العرض والطلب, وإذا كان الراتب أقل من الحد الكافي تلتزم الدولة بتغطية الفرق. لأن الحماية الاجتماعية مسؤولية الدولة لا الأفراد.
21- حسب الفكر الاقتصادي, إن التنظيم أو الادارة هو عنصر الانتاج الوحيد الذي يستوجب الربح, وهو يستحق بسبب المخاطرة أو الكفاية الانتاجية أو القيام بعمليات التجديد, أما في النظام الاسلامي, فإن الربح يستحق بسبب المال أو العمل أو الضمان.
22- الفائدة هي لفظ مرادف للربا, والربا محرم في جميع الشرائع السماوية, وجميع أشكال الربا محرمة, سواء كان ربا بيع, أو ربا قرض, كما أن ربا القرض محرم سواء كان بغرض الاستهلاك أم بغرض الاستثمار, ولا يوجد أي مصلحة عامة بتحليل الربا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

توزيع الدخل في الاقتصاد الاسلامي والنظم الاقتصادية المعاصرة
د. صالح حميد العلي: مدرس في قسم الفقه الاسلامي ومذاهبه في كلية الشريعة, جامعة دمشق
اليمامة للطبع والنشر والتأليف, دمشق وبيروت, الطبعة الأولى, 2001

تركز الثروات خطر على التنمية

هناك بعض الدول التي تتمتع بمعدلات نمو مرتفعة لكن غالبية الناس في هذه الدول لا تشعر بنتائج هذا النمو الاقتصادي وفي أغلب الأحيان تعاني من نتائج هذا النمو.
أي أن هناك نمو اقتصادي, لكنه يتركز في يد عدد قليل من الناس لذلك الغالبية العظمى من أفراد الدولة لا تشعر بنتائج هذا النمو
لذلك إذا ترك النمو الاقتصادي على حاله ودون تدخل من الدولة فإنه قد لا يؤدي إلى تحسن أحوال الغالبية العظمى من أفراد المجتمع لأنه سيعمل على تركيز الثروة في يد القلة, وسيعمل على إعادة توزيع الدخل لصالح هذه الطبقة أو الفئة بشكل مناقض للمساواة والعدالة الاجتماعية.
ومن هنا كانت الكتابات الاقتصادية الحديثة تتطرق إلى موضوع تركيز الثروات وأهمية العدالة الاجتماعية وحسن توزيع الناتج المحلي الاجمالي عند الحديث عن أي سياسة للتنمية الاقتصادية.
لذلك فإن النمو الغير منضبط سيؤدي إلى اختلالات خطيرة على المجتمع من حيث توزيع الثروة, مما قد يرتب انتفاضات شعبية.
لذلك ظهرت الدعوات بضرورة تدخل الدولة لتحقيق التنمية المتوازنة وتحقيق التوزيع العادل في الاقتصاد.

ماسبق هو حديث راسخ في الأدبيات الاقتصادية, لكن سنتطرق إليه من ناحية أخرى وهي: أن تركز الثروات ليس مجرد ظلم اجتماعي يطال الغالبية العظمى من المجتمع, حيث أن الذين يتحملون كل تكاليف التنمية لا يشعرون بنتائج هذه التنمية.
الأمر الثاني الذي هو في غاية الأهمية, أن هذه الثروات غالبا ماتتجه للاستثمار في الخارج مما يؤدي إلى حرمان الاقتصاد الوطني والأجيال القادمة من نتائج التقدم المحقق.
هذا التهريب لهذه الأموال والثروات المتركزة في يد هذه الطبقة القليلة, ليس دائما هو تهريب بالمعنى السلبي للكلمة, لكن يمكننا أن نطلق عليه تسريب إلى خارج الاقتصاد الوطني, خاصة إذا كانت الفرص الاستثمارية لتوظيف هذه الثروات في الخارج ذات عوائد أجزى من الاستثمارات الوطنية, مما يحرم الاقتصاد الوطني منها.
إن سوء توزيع الثروة يحمل جانبين, فهو خطيئة اجتماعية من جهة, وقصر نظر اقتصادي من جهة أخرى وإهدار للمستقبل من جهة أخرى

هذا والله أعلم
عن موقع الدكتور حازم الببلاوي - بتصرف