الأربعاء، 17 أغسطس 2011

د.الياس نجمة أحد أبرز الوجوه الاقتصادية في سوريا- لا مكان لنا في الهجرة و الاغتراب

رغبت بالقاء الضوء على الحياة الشخصية للدكتور الياس نجمة والذي اعتبره احد المؤثرين الأساسين في التكوين الفكري الخاص بي و هو الذي قام بتدريسنا في السنة الثانية و الرابعة ومن ثم في سنة الدبلوم العالي في جامعة دمشق
وكانت محاضراته على الدوام ممتلئة بالطلاب و هي التي تزخر بالزحام و الصراعات الفكرية
وعلى عادته كان دائما يحمل الجانب المعارض و يمثل الفكر الثوري الثائر على كل ما هو محيط به في أسلوب علمي شيق لا يخلو من التهكم في بعض الأحيان
وبالرغم من معارضته لمعظم الدكاترة و الوزراء في سوريا الا انه يلقى كل الاحترام و التقدير بين جميع صفوف الطلبة و الاساتذة و الحكومة
علمنا ان نكون دائما ثائرين و ان لانقبل الواقع الراهن و ان نكون نحن اداة التغيير اينما حللنا
والى الآن ما تزال كلماته راسخة في ذهني و حاضرة أمامي بصوته و حركاته و أسلوبه الشيق حتى أنني الى الآن احفظ رقم هاتفه في المنزل و الذي أعطانا إياه في أول لقاء معه في السنة الثانية

في المقال الذي سأورده الآن يتحدث الدكتور عن حياته الشخصية و المقال منقول عن صحيفة الثورة السورية بتاريخ 28/12/2007

إلياس نجمة ل (الثورة) : لا مكان لنا في الهجرة والاغتراب


تجارب شخصية
الجمعة 28/12/2007
اختزل في ركن من مكتبه ثقافة العالم من أدب وشعر وتراث وتاريخ وسياسة وفلسفة ومعاجم وموسيقا, وفي الركن الآخر اختزل ذكرياته خلال مراحل حياته في صور جميلة ومعبرة.

أما الركن الثالث فقد جعله للدراسة والكتابة وسماع الموسيقا..‏

لم أكن أتوقع قبل أن أدخل مكتبه أنني سأجد ذلك كله في مكتب أستاذ جامعي مختص في الاقتصاد والمال, وأقرأ له دائما تصريحات وأبحاثا تتعلق بالأعمال والمصارف والاقتصاد.‏

الدكتور إلياس نجمة الذي انتقل خلال مراحل حياته من العمل الأكاديمي (التدريس) إلى السياسي إلى البرلماني إلى الدبلوماسي ثم عاد إلى العمل الأكاديمي..‏

يعتقد أن اختيار الكتاب هو الأهم في حياة الإنسان.‏

ويعتقد أيضا أن النزاهة الفكرية لا يمكن ممارستها إلا في الجامعات التي تمنح هذه النزاهة.‏

مكثت في مكتبه قرابة الساعتين, وقد شدني كل ما فيه من كتب وذكريات, وشدني أكثر حديثه الذي ينم عن شخصية إنسان ناضج صقلته فعلا ثقافة العالم.‏

يقول الدكتور نجمة بدون شك الجانب الششخصي يؤثر بشكل كبير على مجرى حياة الإنسان, ولكن ابتداء من وضع ثقافي معين تصبح الأمور الفكرية هي الأكثر إلحاحا, ولا شيء في أهميته يفوق أهمية الأفكار, وربما مجتمعاتنا أخفقت في التقدم بسبب عدم قدرتها على إنبات الأفكار وجعل بعض الأمور تقاس بمقاييس غير عقلانية.‏

ويضيف: لا بد من فكر ناقد ولنستطيع أن نعطي فرصة لإثبات هذا الفكر وإنتاج المعرفة لا بد من الحرية.‏

حضارة الغرب كلها قامت على الفكر الناقد لأنه يكشف عورات الأمة ونظامها ويخدم المجتمع و هو دائما ذو مردود إيجابي.‏

يستذكر طفولته قائلا:‏

نشأت في أسرة ميسورة الحال ورغم أن والدي كان متواضعا في تحصيله العلمي لكنه كان مهتما جدا في تحصيلنا أنا وإخوتي, وكانت والدتي وراء إعطاء الثقافة الدور الأساسي في حياتنا حيث كانت الثقافة في أسرتنا في أعلى المراتب وقد سمحت ظروف والدي المادية الناجح في عمله في التجارة أن ندرس أنا وإخوتي في أوروبا وبعض الدول العربية.‏

حتى حصل ستة منا على شهادات الدكتوراه على حساب والدي الشخصي, أختي طبيبة مختصة والثانية دكتورة في الصيدلة, والثالثة دكتورة في الهندسة المعمارية وأخي دكتوراه في الفلسفة.. الخ.‏

وكنا جميعا رغم عددنا الكبير تسعة أخوة قوميين لدينا انتماء كبير لوطننا الأم, حيث عدنا جميعا إلى سورية بعد أن أنهينا دراساتنا العليا.. حتى ولديّ بعد أن انهيا دراساتهما العليا في فرنسا عادا فورا إلى الوطن علما أنهما عاشا ظروفا جيدة جدا في باريس- جامعة السوربون وكانا متفوقين جدا فالأول حصل على شهادة الدكتوراه في الطب وافتتح مركزا اختصاصيا بالأشعة في دمشق والأصغر حصل على الدكتوراه في الاقتصاد ويعمل الآن مديرا في أحد المصارف.‏

ويضيف:‏

أعتقد أن الإنسان يجب ألا يعيش على رصيف الحياة ونحن لا مكان لنا في الهجرة والاغتراب لأن الاغتراب يفقد المغترب منفعته الاجتماعية وخصوصا إذا أدى إلى انقطاع الصلة مع الوطن, عندما عدنا من باريس كانت زوجتي قد استلمت شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي في الساعة الواحدة ظهرا, وفي الساعة الخامسة مساء عدنا إلى سورية.‏

وأعتقد أن هذا التصرف لا يفسره سوى الإنتماء الوطني والعيش في أعماق مجتمعنا الحقيقي وأنا هنا لا أردد شعارات والحقيقة أن والدي كان متحمسا لتدريسنا في المدارس الوطنية وليس الأجنبية رغم قدرته على تدريسنا في الأخيرة, ورغم أن عائلتنا لا تشكو من ضائقة مادية بل على العكس لديّ إخوة ميسورو الحال إلا أننا جميعا ملتصقين بحياة الناس ونهتم دائما بمعاناة الفقراء ومواقفي في القضايا الاقتصادية كانت دائما تتجه نحو الاهتمام بتوزيع الدخل القومي.‏

وبحكم عملي تعاملت مع الأقوياء ولكنني كنت دائما أعمل لصالح الضعفاء.‏

الثقافة أولا‏

حصلت على دكتوراه دولة في الاقتصاد وهي أعلى الدرجات العلمية في جامعة السوربون وعينت محاضرا في جامعة باريس أربع سنوات ريثما أنهت زوجتي دراستها في الدكتوراه.‏

وأنا أعتبر أنني أتيت من الثقافة إلى السياسة وليس العكس فالحصول على الدكتوراه بعد الوصول إلى منصب سياسي مرض ابتلي به وطننا العربي.‏

عملت بعد عودتي إلى سورية في الجامعة وفي مهام ذات صبغة سياسية واقتصادية ثم عملت نائبا لعميد كلية الاقتصاد وبعدها عميدا للمعهد العالي للعلوم السياسية عام 1977 ومسؤول عن الإعداد الحزبي المركزي في الوطن العربي, وأعتقد أنها كانت تجربة هامة جدا في حياتي حيث بدأت أدخل في عمق المسألة الفكرية والثقافية والاجتماعية ودخلت في صميم البنية التحتية للفكر, وكان البعض يقول عني آنذاك إنني إنسان صارم جدا, وإنني أكتسبت هذه الصرامة من الغرب ومشكلتي أنني لم أستطع أن أحب الغرب.. لكنني أحترمه.‏

وتعجبني أساليبهم العظيمة في تطبيق الأنظمة والقوانين على الجميع.. ولكنني أنتمى لحضارتي العربية والإسلامية وأنا ابن هذا الوطن الذي هو في حالة تصادم مع هذا الغرب..‏

حياتي الشخصية متنوعة‏

انتقلت من العمل الأكاديمي في تدريس الاقتصاد المالي إلى مجلس الشعب وليست الخيارات الشخصية التي تلعب دورا دائما, وكان لاختياري كرئيس للموازنة في مجلس الشعب دور هام في تقرير السياسة المالية, بقيت ست سنوات وفي منتصف الدورة الثانية تم اختياري كسفير لسورية في فرنسا.‏

فانتقلت إلى العمل الدبلوماسي بل اعتبره عملا سياسيا, ومن هنا فإن حياتي الشخصية متنوعة والتنوع ليس دائما سلبيا.‏

كانت انذاك تتبع للسفارة الفرنسية سويسرا والفاتيكان, وكانت العلاقات السورية مع فرنسا جيدة جدا حيث قام الرئيس الفرنسي جاك شيراك بزيارتين إلى سورية وقام الرئيس الخالد حافظ الأسد بزيارة دولة إلى فرنسا وكذلك قام الرئيس بشار الأسد أيضا بزيارة دوله.‏

بقيت سفيرا نحو خمس سنوات ونصف وكنت مشغولاً جداً لدرجة أنني لم استمتع بالحياة في باريس, وكذلك أولادي كانوا في مراحل دراساتهم الجامعية, والحقيقة أنني أتعامل مع أولادي بصرامة وجدية, ولكن بعد أن تخرجوا وأنهوا دراساتهم منحتهم مطلق الحرية في حياتهم الأسرية, نضع الأدب والشعر والموسيقا ضمن أولوياتنا.‏

عودة إلى الجامعة‏

بعد عودتي من فرنسا لم أذهب إلى الخارجية وذهبت إلى الجامعة فورا, وأعتقد أن النزاهة الفكرية هي أهم شيء في حياة الإنسان, وهذا الأمر لا يمكن أن تتم ممارسته بشكل واسع إلا في الجامعة, لأنها المكان الوحيد الذي يمنح هذه النزاهة الفكرية فالمنصب والمهمة يجعلان الإنسان يتخلى عن بعده الشخصي وعندما يعود إلى التدريس يعود إلى نفسه من جديد ويتحد مع أفكاره.‏

وأخيرا يقول د. نجمة:‏

أظن أنني الآن أعيش أسعد أيام حياتي وأهدأها بعد أن وصلت إلى مرحلة من التجربة المتنوعة في حياتي, ولكن يحز في نفسي ويخيفني هذا التردي الفكري والثقافي الذي نعيشه, والتردي في المؤسسات الجامعية.‏

ويؤسفني أكثر ضياع المشروع العربي‏

ولكن الخط البياني كما درسنا في الاقتصاد يصعد ويهبط ولا يوجد خط بياني يصعد دائما أو يهبط دائما.‏

وأعتقد أننا الآن لا بد أن نكون في حالة صعود بعد الهبوط.

الأحد، 14 أغسطس 2011

الأزمة المالية العالمية - أيهما أجدى النظام الرأسمالي أم اقتصاد السوق

هناك سؤال تم طرحه في ظل الأزمة المالية العالمية الراهن التي نعيشها وهو
هل الاقتصاد الرأسمالي قادر على تجاوز الأزمة المالية العالمية الراهنة
وهل اقتصاد السوق قادر على تجاوز الأزمة المالية العالمية الراهنة
في بداية الاجابة على هذا السؤال علينا الاشارة الى أن الرأسمالية هي مرحلة من مراحل التطور الاقتصادي وهي عاجلا أم آجلا سوف تتنحنى فاسحة المجال لأشكال أكثر تطورا منها
أما السوق فهو مكان التبادل وهو حاجة تاريخية لايمكن الاستغناء عنها بأي شكل من الأشكال
وبالرجوع الى التطور التاريخي الى ظهور السوق نرى أن عملية التبادل تمت بشكل عفوي استجابة لحاجات المجتمع لهذا التبادل ثم استمر التطور التدريجي لعميات التبادل هذه وصولا الى الشكل المتقدم من السوق الذي نعيشه في يومنا هذا
وما يميز السوق وجود التاجر الذي امتهن التجارة وأصبح هو المحرك الأساسي لعملية تطور السوق
فنرى كيف انتقل التجار من نظام المقايضى إلى النظام النقدي في معاملاتهم التجارية
للتطور هذه العلميات مع ظهور الاقتراض و البيع الآجل فاسحة المجال لظهور مفهوم الائتمان و ظهور فكرة الأصول المالية
وفي كل المراحل ترافق السوق مع وجود سلطة سياسية تنظم و تضبط التصرفات في السوق
وتحمي الملكيات و الحقوق و العقود
وبالرجوع الى الازمة العالمية
يمكننا القول إن تصرفات الأفراد في السوق المالي لاتحمل الصفة الشخصي بل تحمل الصفة العامة في بعض جوانبها
فالأدوات المالية من أسهم و سندات تحمل الصفة الشخصية لأنها تمثل حق على شركة أو مدين معين
أما الادوات المالية التي تصدرها البنوك و شركات الاستثمار و التامين فهي تتعلق بمدى ثقة الجمهور في هذه الجهات المصدرة لهذه الاصول او بشكل آخر لمدى ثقة الجمهور في اقتصاد الدولة المصدر لهذه الاصول
خيث أن هذه المؤسسات تستقطب المدخرات بناء على الثقة التي تتمتع بها هذه المؤسسات و المستمدة أصلا من الاقتصاد نفسه
لذلك يجب عدم ترك هذا النشاط دون قيد أو شرط
إن هذه الفوضى العارمة في الاسواق المالية في أحد جوانبه ناتج عن ضعف الرقابة على مؤسسات القطاع المالي
إذا النظام الرأسمالي مرحلة من مراحل التطور وهي في طريقها الى الزوال انتقالا الى مراحل أكثر تطورا منها
وان اقتصاد السوق سيستمر في التطور استجابة الى الحاجات المتزايدة و المتغيرة لعمليات التبادل لكن لابد من ضوابط تحكم هذه العمليات لآلى تذهب في نهاية المطاف الى أزمات مالية لاتحمد عقباها كما نعايشه اليوم
هذا والله أعلم
د.حازم الببلاوي - بتصرف